
جبل الفيل (Elephant Rock): أيقونة العلا
هل خطر ببالك يوما أن الأحجار قد تحمل بين ثغراتها وثقابها حكايات عن رحلة البشرية للتطور عقدا بعدا على مر القرون المتلاحقة؟ ألم تقف يوما تنظر إلى صخرة صماء تناشدها أن تناجيك عما رأت وشاهدت منذ وجودها حتى لحظة رؤيتك لها؟ لابد للمرء من أن يجد نفسه في موقف كهذا يدفعك للتفكير عميقا حول مختلف الحجارة التي يصادفها، وإن كل صخرة تحمل في ذاكرتها لو جاز لنا التعبير هكذا قصصا من التاريخ لا يعلم عنها شيئا سواها، ولطالما مثلت الصخور رمزية عن القوة والصمود، فهي التي ظلت في مكانها غير مهتمة لتقلبات الأيام، وإن بعضها صار منحوتات تشكل منها تكوينات جذابة وساحرة تزيد من روعة المنظر الطبيعي الذي تقع وسطه، وفي هذا الصدد سنتطرق اليوم في مقالنا هذا لصخرة الفيل بالمملكة العربية السعودية.
موقع صخرة الفيل
يقع جبل الفيل في منطقة صحراوية تتميز بالرمال الذهبية تسمى بالروضات في الجنوب الشرقي من محافظة العلا بمنطقة المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، ويبعد عن قرية العلا التراثية المعروفة بالبلدة القديمة مسافة 12 كلم، فيما تفصله عن مدائن صالح حوالي 24 كلم.
عن جبل الفيل
إن صخرة الفيل أو جبل الفيل كما هو معروف التعريفات الجيولوجية أحد أبرز المعالم الطبيعية في صحراء العلا بالمملكة العربية السعودية، وهو نموذج صارخ لجمال الطبيعة الأخاذ، ومثال على القوة والصمود، وأحد مكونات الهوية الإنسانية في بلاد الحجاز الذي يلتقي عنده الماضي مع الحاضر.
انتصب جبل الفيل في صحراء العلا عبارة عن صخرة ضخمة مهيبة، وقد نحتت هذه الصخرة العجيبة على شكل جسد الفيل يمتد خرطومه حتى الأرض، وشكله هذا هو السبب في تسميته، وقد تجسد على الشكل بفضل العوامل الطبيعية المختلفة مثل الرياح والتعرية وغيرها، والتي مرت عليها في سيرورة زمنية ممتدة لملايين السنين.
ينتصب جبل الفيل في شموخ في المنطقة التي تقع بها مدائن صالح في محافظة العلا، مما يجعله يوصف بكونه نافذة مفتوحة للبحث الأكاديمي في التاريخ القديم لصحراء العلا، وهو أحد الشواهد الجيولوجية ذات الأهمية الكبرى علميا.
أبعاد صخرة الفيل
يصل ارتفاع جبل الفيل عن الأرض حوالي 52 مترا، ويتراوح عرضه بين 20 و25 مترا، فيما يتراوح طوله بين 30 و35 مترا، ويزداد جمالها بالجبال الفاتحة الألوان المحيطة به، والرمال الذهبية التي تحفه من كل الجهات.
التشكل والتطور التاريخي
يعتبر جبل الفيل هذا أحد العجائب الجيولوجية التي حيرت وأذهلت البحث العلمي في ذات الوقت حتى يومنا هذا، وقد تشكلت هذه الصخرة الفريدة من نوعها بمظهرها المبتكر والغريب من طبقات رملية تشكلت في العصور الجيولوجية القديمة العائدة لملايين السنين، ولعبت المراحل الطويلة والمتعاقبة من التآكل والتعرية وتأثير الرياح العاتية والمياه الجارية في تجليه على تلك الشاكلة.
عندما استقر السكان الأصليون بمنطقة العلا اعتبروه رمزا طبيعيا يحمل سمات القسوة والقوة والإبداع في ذات الوقت، كما نظروا إليه بكونه رمزا للفخر ومحفزا طبيعيا على الثبات، ولقد كان من بداية الحضارة الإنسانية في بلاد الحجاز يثير حفيظة الزوار من أجل مشاهدته والاستمتاع بجماله.
أصبح جبل الفيل في القرن العشري معلما سياحيا ورمزا ثقافيا يستقطب الزوار إليه من أجل مشاهدة البهاء الطبيعي في أبهى حلله، كما أنه صار موقعا جيولوجيا بحثيا يفد عليه الباحثون والخبراء والمستكشفين من أجل سبر الأسرار المتصلة بالوجود والتطور.
الخصائص الجمالية في جبل الفيل

إن أول السمات التي منحت لجبل الفيل جمالا طبيعيا ساحرا هو شكله المميز، فقد لعب تكوينه على شكل فيل مع خرطومه هو أكثر الخصائص الجمالية له، وقد لعب مظهره هذا في جعله يحظى بمكانة رفيعة لدى سكان العلا وزواره.
تعد ألوان صخرة الفيل إحدى أهم ميزاته الجمالية، وهي تتدرج بشكل مثالي يجهل مشهد البصري غاية في الروعة، فالرمادي بدرجاته والبني الفاتح المائل نحو الأصفر يمنحه الجبل هيبة خاصة، فيما يأتي بعدهما الأصفر الذهبي ليعطيه لمسة سمو ورقي، مما جعل الجبل ينسجم مع الرمال المحيطة به.
يتمتع سطح صخرة الفيل الخشن بمظهره جذابا هو الآخر، ويشعر الناظر له بأنه يتجسد كمكان ينتصب في الأعلى مطلعا على جميع المجريات، ما جعله قائما وكأنه خزينة حفظت بها أسرار الزمن الطويل الذي مر على هذا الجبل.
تتخلل صخرة الفيل فتحات صغيرة في جميع الأماكن بها، بدا معها الجبل كأنه تمثال عظيم قائما بفخر وسط الصحراء القاسية، مضيفا جمالا وحسنا على رمالها الذهبية، إلى جانب ممرات داخله تتيح للزوار مشاهدة جميع المناظر المثيرة به من زوايا متعددة، ما يسمح لضيوفه بالتقاط الصور والاستئناس بالمكان ككل.
الأساطير المرتبطة بجبل الفيل
ارتبطت صخرة الفيل بالعديد من الحكايات والأساطير أغلبها ادعت أن هذا الجبل قائم كحارس للأرض التي يقع بها، وهو ما جعل سكان منطقة العلا منذ القرون الغابرة يتأثرون به كثيرا حتى جعلوا منه رمزا للهوية والانتماء.
ادعت اسطورة أخرى تناقلها سكان منطقة العلا عبر التاريخ أن جبل الفيل في الأصل كان فيلا عظيما حقيقيا، وقد تعرض للسحر من قوة غامضة قامت بتجميده وتحويله إلى صخرة صامتة، ما فرض عليه العيش وسط الصحراء طوال الدهر.
قيل أيضا حول جبل الفيل أنه مسكون بالأرواح التي تكلفت منذ بداية الوجود بحراسة الصحراء في ببلاد الحجاز، إذ أن هذه الأرواح تدافع عن المنطقة وتصد عنها الأذى والسوء، كما تمنح الحماية لمن يأتيها بنية صافية وقلب طيب.
كيفية الوصول

تتميز الطريق المؤدية إلى جبل الفيل بكونها معبدة وسلسة، ويمكن للراغبين في الذهاب إليه التوقف خلال الطريق في مناطق عدة مخصصة للتوقف والاستراحة، كما تتوفر بها عدة مواقف للسيارات يمكن للمسافرين عبر سيارتهم الخاصة ركنها بها.
يمكن لزوار المدينة المنورة الذين يودون زيارة جبل الفيل استخدام الحافلات للتنقل منها إلى منطقة العلا، إذ تتوفر حافلات النقل الجماعي (سابتكو) والتي تنقل الركاب في غضون 3 إلى 4 ساعات إلى العلا، ومن هناك تستكمل الرحلة عبر سيارة الأجرة.
أفضل وقت للزيارة
- الشتاء
تعد الفترة من ديسمبر إلى فبراير اختيارا مثاليا للقيام بجولة ممتعة إلى صخرة الجبل، حيث تنبض الطبيعة بجمال أخاذ مع الأجواء المعتدلة التي تخلق تجربة تلامس قلوب الزوار، مما يتيح للضيوف التجول والاستمتاع بمختلف المناظر الطبيعية.
- الربيع
إن الفترة من مارس إلى ماي هي أيضا واحدة من أفضل الأقوات للذهاب إلى منطقة العلا وزيارة جبل الفيل، ففيها تتزين واحة العلا بالألوان الزاهية، ويستمر الجو المعتدل على هذا المنوال، ما يتيح للزوار فصرة تأمل جمال الطبيعة بكل أريحية.