
قرية أشيقر التراثية عبق الماضي في قلب نجد بالمملكة العربية السعودية
في زمن الحداثة والتقدم الذي لا ينفك يزداد تطورا يوما بعد يوم، تتسارع الأيام كتسارع دقات القلب، وهو عالم أصبح فيه المعمار والبنيان يكتسح الأراضي واحدة تلو الأخرى، مما ساهم في تراجع المساحات الخضراء التي يقصدها الناس ترويحا على الأنفس، فلا يجد الإنسان أفضل من المواقع والقرى التاريخية ليتجه إليها باحثا عن بقايا التراث الخافق بقوة رغم سطوة الزمن وتبدل الأحوال، فظلت قائمة شامخة عبارة عن رموز بارزة تشكل الهوية المجتمعية التي يفتخر الجميع بها، وتبقى هذه الأماكن مثل جسر يربط الحاضر بالماضي مجسدة إرثا مجد خلفه الأجداد، فصار قصصا عن ازدهار يتحاكى بها الأحفاد، وفي هذا السياق نخصص مقالنا هذا للحديث عن قرية أشيقر في المملكة العربية السعودية.
موقع قرية أشيقر
تقع قرية أشيقر التراثية في شمال غرب عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض، وهي تنتمي لمنطقة الوشم التابعة لمحافظة شقراء، وتبعد عن متنزه جبل أشيقر قرابة 5 كلم، وهو متنزه يضم حدائق ومسارات متنوعة للتجول مع أماكن استراحة.
حول قرية أشيقر
إن قرية أشيقر هي واحة متألقة في منطقة الرياض وكأنها لوحة طبيعية خلدت نفسها بمداد من ذهب على مر السنين، وتمتاز بعراقة تعود بها لقرون ضاربة في القدم، مما جعلها واحد من أقدم القرى التراثية في بلاد الحجاز.
لعبت قرية أشيقر أدوار بارزة خلال مراحل متفاوتة من التاريخ، فقد كانت طوال قرون عدة من أهم المحطات التي يتوقف بها الحجاج الوافدون على بين الله الحرام، كما كانت مركزا تجاريا يقصده التجار من جميع مناطق فبلغت ذروة مجدها الاقتصادي بفضل ذلك.
تتعد ميزات وخصائص قرية اشيقر التراثية فهي تضم أزقة ضيقة مرصوفة بالحصى والتراب بها مباني طينية لا تزال قائمة حتى وقتنا الراهن، كما تحتوي أيضا على متاحف قديمة أعيد ترميمها مرارا بعناية فائقة، مما جعل القرية تتجلى كنموذج صارخ للعمارة التقليدية النجدية في المملكة العربية السعودية.
تستقطب هذه القرية العريقة الزوار نحوها بعشرات الآلاف على مدار العام، وذلك بفضل محيطها الطبيعي الهادئ وجمال مكوناتها المعمارية التقليدية، إذ يفد عليها عشاق التراث خاصة عند احتضانها الفعاليات الثقافية.
قرية أشيقر التراثية

تعتبر قرية أشيقر مكانا عجيب وجميلا في الآن نفسه، فهي تجمع بين الحيوية التي تجسد فيها نبض الحياة، وبساطة العيش والمعمار التي تمنحه رونقا جماليا خاصا، فتتشابك جميعها لتشكل نسيجا واحدا موحدا منحها قيمة وأهمية كبرى.
تتربع هذه القرية التراثية في منطقة تاريخية شرق العاصمة الرياض، وهي تضم مجموعة من المباني التي تتراص مع بعضها متجلية كأنها لوحة حية رسمت تفاصيلها عبر امتداد تاريخ طويل، فتباينت قيمتها وأدوار على مر القرون، حتى برزت كمعلم سياحي تاريخي بالغ الأهمية خلال القرن العشرين، مما حولها لمنارة ثقافية بالمملكة.
تمتد قرية أشيقر على مساحة تبلغ حوالي 30 كلم مربعا، وتحتوي على العديد من المنازل القديمة المبنية بالطين والحجر يتجاوز عددها 150 منزلا، وهي تمتاز بجمالها الفريد الذي يخطف الأبصار، ويعيش في هذه القرية قرابة 1500 نسمة.
تضم هذه القرية كذلك مجموعة من المساجد التاريخية التي تعكس جمالية المعمار التقليدي بالحجاز، وهي جوامع عريقة مزينة بالأسلوب الإسلامي الكلاسيكي، ويعد مسجد أشيقر القديم أشهرها على الإطلاق، وقد كان ولا يزال موقعا اجتماعيا هاما يقصده سكانها للعبادة والاجتماع.
تتعد المعالم التي تستحق الزيارة في قرية أشيقر، ويعتلي قائمة الصدارة بينها متحف أشيقر التراثي، وهو متحف عريق يضم مقتنيات نادرة تعتبر مصدرا هاما توثيقيا للحياة الاجتماعية والاقتصادية القديمة التي عايشتها القرية، وتحيط به مزارع للنخيل وأراضي زراعية منحت القرية طابعا ريفيا مميزا.
روعة وجمالية مكونات قرية أشيقر التراثية
تتسم قرية أشيقر بتنظيم جميل بين المساكن والأزقة، إذ تمتد المنازل على مرتفع محاط بالجبال، مما يمنحها إطلالة ساحرة ومهيبة، ورغم أنها بنيت بواسطة الطين والحجارة فقد تم تنسيقها بشكل مثير للإعجاب.
يزداد تألقها بواجهاتها المزخرفة بالنقوش والكتابات التقليدية، والتي تجمع بين الأشكال الهندسية والأزهار، لتبرز جمالية التفاصيل المعمارية عندما تنعكس عليها أشعة الشمس، مما يمنحها منظرا بصريا مذهلا ونادرا في الوقت نفسه.
تم تزيين أسقف منازل هذه القرية التراثية بمواد محلية صنعت بأيدي حرفيين مهرة، مما منح البيوت من الداخل جمالا أخاذ، وهو يكتمل في بعض المباني بالشبابيك الصغيرة التي علت الجدران وقد زخرفت بأقواس مميزة ينساب من خلالها ضوء الشمس لينير ظلمة المكان من الداخل.
تتزين جدران المنازل والمباني برسوم تمثل الحياة اليومية للسكان، وهي تتنوع بين مشاهد ترتبط بحياتهم الزراعية، وأخرى مستوحاة من الاحتفالات الدينية المختلفة بما هي المناسبات الكبرى كالأعياد والأعراس.
تكتمل جمالية القرية من خلال النباتات التي تنمو وتزدهر حول الأبواب وبجوانبها، كما تحف البيوت في منظر خلاب أشجار الدفلى والزهر وهي متجلية كبساط يغلف المكان بعطره الفواح، وهو ما يجعل القرية قيمة طبيعيا علاوة على أرثها التراثي.
تعتبر هذه القرية مكانا مناسبا للتأمل في جمال الطبيعة، إذ تطغى عليها أجواء الهدوء وهو ميزتها الخاصة، غير أنه يكسر أحيانا بصوت الرياح العابرة وهي تهز أغصان الأشجار، وفي أوقات أخرى تعم أصوات الطيور المغردة الأرجاء، مما يضيف سحرا خاصا قرية أشيقر.
غير بعيد عن القرية تنتصب جبال شاهقة رائعة المنظر تمنح محيط أشيقر الهيبة والعظمة، كما تزيد جمال وروعة محيطها حقول النخيل الخضراء المترامية الأطراف، والمزارع الممتدة في مرمى الأفق، مما يحول المنطقة ككل لما يشبه حلما واقعيا منغمسا في الطبيعة العبقة.
توجد في قلب قرية اشيقر ساحة صغيرة كانت المكان الذي يتجمع فيه أهاليها ولا يزالون على ذلك حتى الآن، وهي تضم متاجر لممتهني الحرف التقليدية، ومقاهي عريقة لا زالت محافظة على مظهرها وأثاثها، مما يحول تجربة زيارتها لمغامرة استثنائية تستحق عناء خوضها.
كانت ولا زالت قرية أشيقر موطنا للحرف اليدوية المتنوعة التي يبدع الحرفيون في صناعتها بدقة ومهارة واتقان مثل السجاد والأواني الفخارية، مما يتيح لضيوفها معاينة الصناعة تحت ظلال الأشجار وهم يستمعون لقصص تحكي عن أيام مجد قد خلت وذهبت.
سبب التسمية
يعود سبب تسمية قرية أشيقر بهذا الاسم بفضل جبل الأشقر الذي يحدها من الشمال، وهو جبل يمتد وكأنه قوس من الغرب حتى الشرق، ويعرف عند السكان المحليين بمنطقة هذه القرية باسم طلع الجنينة، وذلك لكونه اصبغ باللون الأصفر المائل نحو الشقرة، ولهذا أطلق عليه هو الأشقر، وسميت هي بأشيقر.
عراقة قرية أشقير وحاضرها

يعود تاريخ تأسيس قرية أشيقر إلى أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، وقد ساهمت عائلات عربية حجازية في تشييدها أبرز عوائل من قبيلة عتيبة العريقة، كما كانت عائلة أشيقر المنتمية لقبيلة العنوز من ذوي السبق في بناء هذا الموقع التراثي من خلال تأسيسها لمجتمع يقوم أساسه على التجارة والثقافة.
إن قرية أشيقر هي بقعة تاريخية تعكس القوة والأمل، وقد مرت عليها أحداث كثيرة أدت إلى صياغة هويتها والمحافظة عليها، ففي العصور الإسلامية، كانت بمثابة منارة للعلم والتجارة، تشع بذكاء أهلها وتجارهم الذين قاموا بحياكة خيوط العلاقات مع مختلف القبائل.
أما خلال فترات الفتن والنزاعات، فقد تحولت إلى ساحة لصراعات عتيبة، حيث تجلت القوة والكرامة في وجه التحديات، ومع كل حدث، كانت أشيقر تردد صدى الذاكرة الشعبية، داعية إلى روح المواطنة، والارتباط بالهوية الإسلامية دون العصبية القبلية.
وخلال العصر الحديث وبعد المعاصر انطلقت أشيقر تساير النهضة العمرانية محافظة في الوقت عينه على تراثها الغني، فواكبت العصر ومتغيراته، وظلت منارة تراثية تستقطب نحوها المهتمين بالإرث والتاريخ.
كيفية الوصول
تعتبر السيارة أفضل وسيلة تنقل يفضل استخدامها للوصول إلى قرية اشيقر التراثية، وذلك عبر المضي في طريق الرابطة بين الرياض والقصيم، وهي تمتد على مسافة تصل إلى 200 كلم، ويتم قطعها في غضون ساعتين تقريبا، ويمكن لزوارها الاستمتاع أثناء الرحلة بمشاهدة المناظر الطبيعية التي تمتد على طول مسار السفر.
أفضل وقت لزيارة قرية أشيقر التراثية
- مارس ـ ماي
يعتبر فصل الربيع من أفضل الأوقات للقيام برحلة ممتعة إلى قرية اشيقر التراثية، ففيه يكون الطقس معتدلا، كما يزيد تفتح الأزهار واخضرار الأشجار من جمال الطبيعة بمنطقة القرية، مما يساهم في تناغم الألوان مع نسمات الهواء العليل ليتمكن الضيوف من الاستمتاع بتجربة استكشاف استثنائية.
- شتنبر ـ نوفمبر
يعد فصل الخريف أيضا اختيارا موفقا للذهاب إلى هذه القرية التراثية، فهو يشهد جوا لطيفا ودافئا وهادئا، مما يمنح الزائر تجربة ساحرة تحت أشعة الشمس الذهبية، ويتيح له المجال للتجول بحرية، خاصة عند الغروب حيث يصبح مظهر القرية ساحر بشكل لا يصدق.
في ختام رحلتنا هذه إلى قرية أشقير، لا يسعنا سوى أن نقول بأن هذه القرية التراثية هي واحدة من أجمل المواقع السياحية بالمملكة العربية السعودية، فهي مكان يجمع بين الحاضر والماضي، وتجربة التجول بها تظل محفورة في ذاكرة من أتيحت له فرصة الذهاب إليها.