قوس النصر بباريس

قوس النصر في باريس

يعتبر قوس النصر L’Arc de Triomphe واحدا من أكثر المعالم التاريخية والثقافية والسياحية شهرة في باريس، كما أنه يعد رمزا للهوية الوطنية في فرنسا، وشاهدا حيا على البطولات والإنجازات والتضحيات العسكرية للجيوش الفرنسية. يمتاز بتاريخه الفريد وهندسته المعمارية الفائقة الروعة. في هذا المقال سنتعرف بالتفصيل على كل ما يتعلق بقوس النصر في عاصمة الأنوار.

نظرة عامة حول قوس النصر وموقعه

قوس النصر بفرنسا

يعد قوس النصر L’Arc de Triomphe من أشهر المعالم السياحية في باريس، وهو هيكل ضخم يتميز بممر مقوس يرمز للفخر الوطني في فرنسا. بني على الطراز المعماري الروماني بحيث يكون شبيها للأقواس الرومانية، والتي كانت تنصب من أجل الاحتفالات بالانتصارات العسكرية للدلالة على قوة روما. يتميز موقع قوس النصر في باريس بكونه موقعا استراتيجيا، فهو يتواجد وسط ميدان شارل ديغول، ويلتقي عنده اثنا عشر شارعا رسميا أبرزها شارع الشانزليزيه، الذي يقع القوس في الطرف الغربي منه. تتواجد بالقرب منه معالم ومآثر سياحية أخرى تشكل مجموعة المنطقة السياحية الأولى بباريس.

قصة بناء قوس النصر والهدف منه

تم بناء قوس النصر L’Arc de Triomphe بأمر من نابليون بونابارت عقب انتصاره الساحق في معركة أوسترليتز عام 1806. امتدت فترة تشييده عقودا طويلة، إذ انتهت أعمال بنائه سنة 1836 وهو ما جعل نابيلون يحرم من رؤيته مكتملا. في البداية اعتبر الهدف من القوس هو الاحتفال بالانتصار العسكرية للجيش الفرنسي، وهو ما جعل قوس النصر رمز فرنسا الأول، ودليلا على عظمة ومجد امبراطورية نابليون، من خلال تكريم الجنود والقوات العسكرية على شجاعتهم. وأصبح كذلك فيما بعد إذ صار مكانا للاحتفاء بالقادة المتميزين وإنجازاتهم العسكرية، ومكانا لإحياء ذكرى الانتصارات الفرنسية. كل هذا حول قوس النصر ليصبح رمزا وطنيا لفرنسا، فقد تم جعله مكانا لتكريم المقاتلين الذين ماتوا خلال الحروب الثورية الفرنسية والنابليونية وخلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. نصب عند قاعدته قبر الجندي المجهول من الحرب العالمية الأولى، مع شعلة أبدية تحترق في ذكرى أولئك الذين ضحوا بحياتهم في المعركة.

من بنى قوس النصر؟

نابليون بونابرت

كان نابليون بونابرت هو من أمر ببناء قوس النصر L’Arc de Triomphe، غير أن تصميمه الهندسي كان من قبل المهندس المعماري جان شالجرين، والذي واكب بناء القوس حتى وافته المنية عام 1811. لم يتوقف مشروع البناء، بل استمر تحت إشراف العديد من المهندسين المعماريين أبرزهم لويس روبرت جوست وهويوت. وقد اكتمل بناء قوس النصر عام 1836 في عهد الملك لويس فيليب.

الوقت المستغرق لبناء قوس النصر

استمر العمل على بناء قوس النصر L’Arc de Triomphe 30 عاما كاملا، إذ بدأت أعمال تشييده في عام 1806 في عهد نابليون الأول، وتوقف المشروع في بعض الأوقات، كما تأخر إنجازه نظرا للتحولات السياسية التي عرفتها فرنسا خلال مرحلة البناء، بما فيها سقوط نابليون. لكن قوس النصر اكتمل بشكل تام في عهد الملك لويس فيليب عام 1836.

البنية الهندسية المعمارية لقوس النصر

تم تصميم قوس النصر L’Arc de Triomphe على الطراز المعماري الروماني، ما جعله تحفة فنية كلاسيكية غاية في الروعة. يبلغ ارتفاعه 50 مترا، أما عرضها فهو 45 مترا، فيما يصل عمقه 22 مترا. يتكون من قوس مركزي كبير يحيط به قوسان يصغرانه حجما. تغطي أسطحه نقوش متقنة بارزة، وهي عبارة عن تصوير لمشاهد مختلفة من التاريخ العسكري الفرنسي أشهرها مشاهد معركة أوسترليتز. حفرت على الجزء الداخلي للقوس وأعلاه أسماء 128 معركة و558 جنرالا، قاتل أغلبهم في الحروب النابليونية وحروب الثورة الفرنسية. توجد الشعلة الأبدية عند قبر الجندي المجهول، هذا الأخير هو النصب التذكاري الواقع عند قوس النصر، ويتكون من مجموعات نحثية تمثل أحداثا مهمة في تاريخ البلاد وهي:

  • انتصار 1810: تمثل الاحتفال بانتصارات نابليون وعظمته الإمبراطورية.
  • رحيل المتطوعين (لا مارسييز): يرمز إلى دفاع فرنسا خلال الحروب الثورية.
  • مقاومة 1814: تمثل مرونة الشعب الفرنسي.
  • سلام 1815: يرمز إلى السلام الذي حل بعد مرحلة الاضطرابات الحربية في فرنسا.

قوس النصر في الليل

قوس النصر بالليل في فرنسا

يتحول قوس النصر L’Arc de Triomphe في الليل تحفة فنية مهيبة عبارة عن منظر ساحر ذو جمال مختلف تماما عما تراه العين بالنهار. تبرز تفاصيله المعمارية بشكل أكثر وضوحا بسبب الأضواء المتناثرة على سطحه الحجري، ما يجعل النقوش والزخارف والتماثيل تتجسد فيمظهر قوي بسبب الأضواء الخافتة المسلطة عليها. من جانب آخر، تلفت ظلال الأعمدة الضخمة والنقوش البارزة التي تتشكل بفضل إضاءة الواجهات الأربعة للقوس الأنظار بمظهرها ذي الطابع الدرامي، كما تتجلى روعة الهندسة المعمارية الرومانية من خلال الإضاءة المتدرجة المسلطة على الهرم المرتفع للمسلة على قمة القوس. كل هذا يجعل القوس ككل يكتسي بهالة من الفخامة والقدسية والرفعة، خاصة عندما تتمازج ألوان قوس النصر مع سماء باريس الداكنة. علاوة على كل هذا، تزيد الشعلة الأبدية التي تضيء قبر الجندي المجهول تحت القوس من روعة المكان بفضل وميضها المستمر باللون أصفر الدافئ، كما أن حركة المشاة والسيارات داخل وحول ساحة شارل ديغول تضفي طابع من الحيوية على هذا الموقع السياحي ككل.

اسم قوس النصر عند الفرنسيين والباريسيين

يطلق على قوس النصر بباريس في جميع الوثائق الرسمية والمراجع التاريخية والتعريفات والإشارات السياحية “L’Arc de Triomphe” ومعناها حرفيا هو قوس النصر. بالنسبة للباريسيين فهم يسمونه “L’Arc” أي القوس وهو اختصار لاسمه صار مألوفا وسهلا للاستخدام فيما بينهم. ويعكس هذا الاختصار لقوة العلاقة الحميمية التي تربط بين سكان عاصمة الأنوار ومعلمتهم الأيقونية، فهو يعتبرونه جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية وهويتهم. أما في مدن أخرى من فرنسا فهناك من يطلق عليه قوس النصر الكبير، وآخرون يسمونه بقوس النصر الباريس، لكن هذه الألقاب والأسماء الأخيرة ليست شائعة كثيرة فغالبية سكان فرنسا وحتى السياح القادمون إليها يسمونه قوس النصر.

الإرث الثقافي لقوس النصر في باريس

يتجاوز قوس النصر الذي يعد أحد معالم باريس الشهيرة كونه تحفة سياحية تزين شوارع المدينة، فهو رمز للهوية الوطنية والتضحيات والبطولات العسكرية الفرنسية. يعتبر شاهدا حيا على التاريخ الفرنسي منذ عصر نابليون بونابرت وانتصاراته العسكرية ومرورا بالتحولات السياسية والحروب الثورية الفرنسية وصولا للانتصارات العظمى للشعب الفرنسي في الأحداث الحاسمة كالحروب العالمية والتي شكلت حاضر البلاد. يمثل نصب قبر الجندي المجهول المدفون تحت القوس والشعلة الأبدية ذكرى استحضار شجاعة وتضحية في حروب فرنسا ما يعزز الذاكرة الوطنية الجماعية للأمة والتي يتم الحفاظ عليها من خلال قوس النصر.

ساهم موقع قوس النصر الاستراتيجي الفريد أن يتم جعله مكانا للاحتفال بأهم المناسبات الوطنية الفرنسية الكبرى. إذ يعد يوم الباستيل، والذي يحتفل به في يوم 14 يوليوز من كل عام، وهو ذكرى ثورة 1789، ويوم النصر في أوروبا (V-E Day)، والذي يحتفل به في يوم 8 ماي من كل عام، وهو ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا، ويوم الهدنة، والذي يحتفل به في 11 نونبر من كل عام، وهو ذكرى نهاية الحرب العالمية الأولى أهم الاحتفالات التي تقام في قوس النصر.

إن قوس النصر هو إرث ثقافي ورمز دائما للوحدة والهوية الوطنية الفرنسية، كما أنه تحفة معمارية تقدم نفسها كواحدة من أهم وأفضل المعالم السياحية بباريس وفرنسا. فإن كنتم تخططون للقيام برحلة سياحية لعاصمة الأنوار، فلا تفوتوا زيارة هذه المعلمة التاريخية الفريدة والمذهلة.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *