قلعة سانت بيير في بودروم تحفة تاريخية على سواحل تركيا
تحتوي تركيا على العديد من المعالم والمواقع التاريخية المميزة العائدة لمراحل مهمة من التاريخ البشري، فمنها ما هو قائم منذ عهد الإمبراطورية البيزنطية، وضمنها ما أنتجته الحضارة العثمانية العظيمة، كما تركت بعض الأمم الأخرى التي سيطرة أو عاشت في الأراضي التركية بصمتها الخاصة، ولعل قلعة سانت بيير هي إحدى أبرز الشواهد على الإرث الخارجي الذي شيد من قبل الغزاة في حقبة زمنية غابرة. في هذا المقال سنقدم لكم رؤية شاملة حول قلعة سانت بيير أو قلعة بودروم في تركيا.
موقع قلعة سانت بيير
تقع قلعة سانت بيير في محافظة موغلا على ساحل البحر الأبيض المتوسط فيما يطلق عليه شبه جزيرة بودروم، وهي أشهر معلمة أثرية وسياحية في مدينة بودروم التركية، إذ تتواجد بالقرب من مرسى المدينة، وتعرف كذلك باسم قلعة بودروم وقلعة القديس بطرس، وهذه المدينة متواجدة في الساحل الجنوبي للبلاد جنوب غرب بحر إيجا، وقد تم إدراج قلعة سانت بيير ضمن مواقع التراث العالمي لليونيسكو عام 1991م.
كيفية الوصول إلى قلعة سانت بيير
يمكن للسياح المتواجدين في مدينة بودروم الوصول إلى قلعة سانت بيير بسهولة عبر المشي انطلاقا من أي مكان في المدينة نحو الميناء، مما سيتيح للزوار السير على الرصيف البحري، والاستماع بالمناظر الرائعة للواجهة البحرية على الجنوب الغربي، كما يمكن استخدام السيارة للتنقل من أي مكان في بودروم نحو قلعة القديس بطرس والوصول إليها في دقائق معدودة.
أما بالنسبة للسياح المقيمين في العاصمة أنقرة فسيتوجب عليهم السفر منها إلى مدينة بودروم، وذلك لقطع مسافة 590 كلم إما عبر الطائرة في ظرف زمني قدره ساعة ونصف، أو بواسطة الحافلة في رحلة تستغرق 9 ساعات، أو باستخدام السيارة للتنقل بين المدينة في ظرف 7 إلى 8 ساعات.
أما إذا كانت إسطنبول هي مقر إقامتك وترغب في زيارة قلعة بودروم، فيجب عليك أن تعلم أن المسافة الفاصلة بين المدينتين هي 700 كلم، وستحتاج لأن تستقل الطائرة إن شئت السفر بسرعة فوالوصول خلال ساعة ونصف، إما إذا كنت ترغب في الاستمتاع برؤية المناظر الطبيعية وأنت مسافر بينهما فيمكنك الصعود في الحافلة، حيث ستقضي 12 سياعة كاملة وأنت على متنها، أو يمكنك تقليص زمن الرحلة باستعمالك للسيارة التي ستقطع بها المسافة بين المدينتين في ظرف 9 إلى 10 ساعات.
تجدر الإشارة إلى أن أكبر مدينة تقع بالقرب من بودروم هي إزمير، وتفصل بينهما مسافة 225 كلم، ويمكن التنقل بينهما بالسيارة في ظرف 3 إلى 4 ساعات، أو بالحافلة في غضون 4 ساعات، أو بالطائرة في حدود ساعة واحدة.
أفضل وقت لزيارة قلعة سانت بيير

يعد فصل الصيف هو ذروة الموسم السياحي في مدينة بودروم وفي تركيا بشكل عام، خاصة للذين يحبون ممارسة السباحة ويرغبون في الاستمتاع بالاصطياف على رمال شواطئ هذه المدينة الساحلية، ومع ذلك فإن الفترة الممتدة من يونيو حتى غشت تعرف اقبالا كبيرا ينتج عنه ازدحاما مهولا في جميع أرجاء بودروم.
أما بالنسبة لعشاق المشي والتجول لمسافات طويلة، أولئك الذين يودون الاستمتاع بجولة وزيارة بعيدا عن الازدحام، فإن الفترتين من مارس إلى ماي، ومن شتنبر إلى نوفمبر هما الأنسب للتوجه إلى بودروم والتعرف على معلمها التاريخية وشواطئها الفيروزية.
أما خلال الشتاء فإن درجة الحرارة تتراوح في بودروم بين 10 و15 درجة مئوية، وتقل فيها أعداد السياح مقارنة بباقي فصول السنة، فإذا كنت لا تهتم بالسباحة على ساحل المتوسط، وترغب في قضاء وقت ممتع في شوارع المدينة، فستكون الفترة من ديسمبر حتى فبراير مثالية للزيارة.
سعر الدخول وأوقات العمل
يبلغ سعر تذكرة الدخول إلى قلعة سانت بيير في مدينة بودروم 840 ليرة تركية، وهو ما يعادل 32 دولار تقريبا، وهي تفتح أ أبوابها أمام الزوار في الفترة الممتدة من أبريل إلى أكتوبر يوميا من الساعة 08:30 صباحا حتى الساعة 18:30 مساء، أكما خلال الفترة من نوفمبر إلى مارس فالوقت المسموح به بالزيارة هو من 08:30 صباحا حتى 16:30 مساء.
لمحة تاريخية
إن قلعة بودروم هي إحدى أهم الآثار التاريخية الصامدة التي خلفها فرسان القديس يوحنا، وهم جماعة دينية تأسست خلال القرن الحادي عشر، وكان علمهم محصورا في حماية ورعايا الحجاج المسيحيين، ثم تحولوا خلال الحروب الصليبية لقوة عسكرية شاركت في أطوار الصراع الحربي بين الصلبيين والمسلمين.
يعود تاريخ تشييد قلعة بودروم الشهيرة باسم قلعة سانت بيير إلى مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، وقد بنيت في الأصل لتكون حصن دفاعيا من قبل فرسان القديس يوحنا المعروفون باسم فرسان الإسبتارية، وقد بدأت أعمال بنائها عام 1402م، واستغرقت أزيد من قرن لكي ينتهي الاشتغال عليها، إذ وضعت آخر اللمسات بها عام 1523م.
تم استخدام قلعة سانت بيير للمهام الدفاعية منذ بداية بنائها وحتى اكتمالها، وقد شارك العديد من الفرسان الذين ينتمون لدول مختلفة في أوروبا في عمليات البناء، وهو ما ظل محفوظ ومخلد من خلال تسمية أبراج القلعة بأسماء الأماكن التي ينتمي لها هؤلاء الفرسان.
استخدم فرسان الإسبتارية قلعة بودروم كحصن دفاعي طوال 120 عاما، حتى سقطت في يد العثمانيين عام 1532م، لتستمر معهم في لعب نفس الدور الدفاعي كحصن وقاعدة لحامية من الجيش العثماني المرابض في ساحل الجنوب الغربي، ثم تحولت مع نهاية القرن السادس عشر الميلادي وحتى منتصف القرن التاسع عشر لسجن.
عاشت قلعة بودروم أيام سوداء خلال الحرب العالمية الأولى، إذ تم قصفها من قبل القوات الفرنسية والانجليزية، وتم احتلالها ثم التخلي عنها مجددا من قبل الغزاة، وبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية لم تولي الدولة التركية الجديدة أهمية كبرى للقلعة حتى ستينيات القرن العشرين، حيث أخضعت لعمليات إعادة الترميم، لتتحول بعد ذلك لمتحف بوردوم للآثار.
قلعة بودروم من الداخل

- متحف بودروم للأثار البحرية
يعرف كذلك باسم متحف الآثار المائية، وهو أشعر موقع داخل قلعة سانت بيير، وقد صارت القلعة ككل تأخذ اسمه للتعريف بها، رغم أنه مجرد جزء منها، ويعتبر واحدا من أهم وأشهر المتاحف في تركيا، ويحتوي على العديد من القطع الأثرية العائدة لحضارات قديمة جدا مثل الاغريق والرومان، علاوة على قطع وحلي من عصر النهضة.
تتنوع أنواع القطع والمعروضات في متحف بوردوم للأثار البحرية، إذ يضم تماثيل تم نحته ببراعة خلال مرحلة عصر النهضة، وأخرى ترجع للعصر الروماني والإغريقي، كما يشتمل المتحف على أوان فخارية مصممة على الطراز القوطي والعثماني، وقطع نقدية قديمة، بالإضافة لمجموعة من الأدوات البحرية.
- البوابة الرئيسية
تمثل البوابة الرئيسية لقلعة بودروم أحد أبرز مكوناتها التي تجعل الزائر ينبهر من دقة العمارة الهندسية، فهي بوابة ضخمة للغاية يمكننا القول بأنها هي المدخل الرئيسي لقلعة سانت بيير، وقد تم تزيينها بالنقوش القديمة الموزعة على مساحة البوابة ككل، بحيث أن هناك نقوش تعود لفرسان الاسبتارية، ونقوش طبعها العثمانيون عليها.
- أبراج قلعة سانت بيير
تعد أبراج قلعة سانت بيير أهم مكوناتها المعمارية المثيرة للإعجاب، وهي ثمانية أبراج سمي كل واحد منها باسم المكان أو الدولة التي ينتمي لها الفرسان الذين بنوه مثل برج الفرنسيين، وبرج الانجليز، وبرج الايطاليين، وبرج الألمان، وبرج الاسبان.
استخدمت أبراج قلعة بودروم من أجل المهام الدفاعية، فقد كانت بمثابة منصات مراقبة، وأماكن للإطلاق، وقد أبدع فرسان القديس بطرس في بنائها، إذ تم توزيعها على محيط القلعة بشكل استراتيجي، كما تم تزيين البعض منها بالنقوش البزنطية والقوطية، بالإضافة لكونها تحتوي داخليا على غرف وأسطح وأماكن للتخزين الأسلحة والمؤن.
- أسوار قلعة سانت بيير
تحيط بلقعة سانت بيير مجموعة من الأسوار التي تم تصميمها على شكل هياكل ضخمة من أجل مهام الدفاع التي يفترض بالقلعة القيام بها، فهي في الأساس حصن دفاعي، وقد تم بناء هذه الأسوار باستخدام الحجارة الضخمة والقوية المستخرجة من المحاجر في مدينة بودروم.
اعتمد فرسان الإسبتارية على تكديس الحجارة على شكل طبقات سميكة لزيادة صلابة مقاومتها الدفاعية أثناء التعرض لأي هجوم، وقد ربطت هذه الحجارة بواسطة الملاط المصنوع من الجير والرمل، ما ساهم في تماسكها مع بعضها البعض، بالإضافة للخشب والطوب واللذان تم تعزيز متانة وقوة بعض المناطق في الأسوار بواسطتهما.
تمتاز هذه الأسوار بوجود فتوات خاصة بالأسلحة فيها كانت تستخدم لإطلاق قذائف المدافع والسهام، كما أنه تم تزيينها بالنقوش والزخارف القوطية والبزنطية التي كانت العلامة المميزة لفن العمارة خلال عصر النهضة.
- كنيسة قلعة سانت بيير
تم بناء الكنيسة لتكون المكان المخصص للعبادة بالنسبة لفرسان القديس بطرس، وقد تحولت لتصبح مركزا دينيا ذو أهمية كبرى مع تطور مهام الفرسان وتحولهم لقوة عسكرية خلال مرحلة الحروب الصليبية، ثم غدت بعد سقوط القلعة في يد العثمانيين مسجدا، وأضيفت لها مئذنة، ثم مع توالي الأيام صارت مستودعا لتخزين المؤن والأسلحة، لتصبح بعد العقد السادس من القرن العشرين أحد أبرز مكونات متحف الآثار البحرية في قلعة بودروم.
- المدافع والمخازن والآبار في قلعة سانت بيير
تضم قلعة سانت بيير كذلك المدافع القديمة المتواجدة في السطوح وأماكن استراتيجية عدة، وقد كانت تستخدم لقصف المهاجمين، كما تشتمل القلعة أيضا على مجموعة من المخازن المنتشرة في جميع أقسامها، وقد كانت تستخدم لتخزين المؤن، والأسلحة، والمياه، بالإضافة لعدد كبير من الآبار العميقة التي كانت تستخدم لتزويد الفرسان بحاجياته من الماء، وقد لعبت دورا مهما في صمود الفرسان داخل القلعة، خاصة أثناء الحصارات التي تعرضت سانت بيير قبل سقوطها في يد العثمانيين.
- الحديقة والمذابح الرخامية والمقهى في قلعة سانت بيير
توجد في قلعة سانت بيير حديقة جميلة غناء مفتوحة تم ترتيبها بشكل جميل، ويعتقد أنها حديقة قديمة قام العثمانيين بتشييدها، كما تحتوي القلعة على مذابح رخامية مزينة بالزخارف على شاكلة الفواكه والثيران، وقد تم تزيينها بأكاليل الزهور، إضافة لهذا يقع داخل قلعة بودروم مقهى هادئا مع كراسي وسط الطبيعة، حيث يتجول الطاووس الأبيض والطاووس الملون وبعض السلاحف في محيط المقهى، والذي تم تشييده في القلعة بعد عمليات الترميم في النصف الأخير من القرن العشرين.
إن قلعة سانت بيير هي واحدة من أهم المعالم التاريخية والسياحية الشهيرة في مدينة بودروم، ورغم أنها أصبحت متحفا للأثار البحرية، إلا أنها لا تزال شاهدة على مرحلة زمنية مهمة من تاريخ تركيا، وستظل قائمة للتذكير بأن فرسان الاسبتارية قد مروا ذات حقبة تاريخية واستقروا بالساحل الجنوبي للبلاد.