قلعة نويشفانشتاين بألمانيا أسطورة في أحضان الطبيعة
عرفت مملكة بروسيا ذروة مجدها خلال القرن التاسع عشر، ولقد كان الملك لودفيج الثالث واحدا من أبرز القياصرة البروسيين الذين تركوا بصمتهم الحضارية في تاريخ ألمانيا بشكل عام، إذ أن هذا الملك كان مهووسا بالقصص الأسطورية والخيالية التي تحكي عن فرسان ومد الجرمان في العصور الوسطى، كما أنه كان متؤثرا بفن الأوبرا، وخاصة أعمال الفنان فاغنر مثل أوبرا لوهينجرين، مما دفعه لتشييد صرح معماري شامخ وسط الألب تخليدا لهذا الملحن، واحتفاء وتقديرا لتراث الجرمان وفرسان العصور الوسطى، تمثل في قلعة نويشفانشتاين، وهي تحفة معمارية وفنية فائقة الروعة. في هذا المقال سنأخذكم معنا في رحلة استكشافية لهذه القلعة العريقة.
موقع قلعة نويشفانشتاين

تقع قلعة نويشفانشتاين Neuschwanstein Castle في الجنوب الشرقي من ألمانيا، وبالتحديد وسط جبال الألب في ولاية بافاريا، وهي تتواجد على مقربة من مصب نهر ليش في منطقة فورجينسي، وقد شيدت على تلة شديدة الوعورة فوق المضيق الضيق لنهر بولات، كما أنها قريبة من الحدود مع النمسا، بالإضافة لكونها لا تبعد عن مدينة فوسن سوى كيلومترات قليلة.
إن تشييد قلعة نويشفانشتاين على تلة في الألب جعلها على مقربة مواقع طبيعية خلابة وساحرة للغاية، فهي تقع في شرق بحيرتي ألبسي وشوانسي، واللتان لا تبعدان عنهما مسافة كبيرة، كما أنها لا تبعد سوى مسافة 30 إلى 40 دقيقة سيرا على الأقدام من قرية وقلعة هوهينشفانجاو، وهذه الأخيرة كانت هي المكان الذي قضى فيه الملك لودفيج الثاني طفولته، وهو نفسه من بنى قلعة نويشفانشتاين.
أفضل وقت لزيارة قصر نويشفانشتاين
إن فصلي الربيع والخريف هما الفترتان المثاليان لزيارة قلعة نويشفانشتاين، إذ يقل فيهما الازدحام خلافا لموسم الذروة في الصيف، كما أن الطقس يكون معتدلا ومناسبا للمشي والتجول عكس فترة الأمطار والثلوج شتاء، ومع ذلك فإن الفترة من ديسمبر إلى فبراير تتحول فيها القلعة لمكان خيالي يسحر العين عندما تغطيها الثلوج، كما أن الفترة الممتدة من يونيو إلى غشت تشهد توافد الآلاف من الزوار، مما يجعل الأجواء حماسية وحيوية.
كيفية الوصول إلى قصر نويشفانشتاين
تعد قرية هوهينشفانجاو هي أقرب مكان من قلعة نويشفانشتاين، إذ تفصل بينها مسافة 1.5 كلم، ويمكن الوصول من القرية إلى القلعة سيرا على الأقدام عبر ممرات المشي المخصصة لذلك في ظرف زمني يتراوح بين 30 إلى 40 دقيقة، أو يمكن استعمال عربات تجرها الخيول، والتي تقطع المسافة في مدة 20 دقيقة.
تعتبر مدينة فوسن كذلك قريبة للغاية من قرية هوهينشفانجاو، حيث تفصل بينهما مسافة 4 كلم، ويمكن للزوار استخدام الحافلات رقم 73 و78 للتنقل، وذلك في رحلة تستغرق 10 دقائق، أو عبر سيارة الأجرة والتي تقضي مدة زمنية تتراوح بين 5 إلى 10 دقائق للوصول من محطة قطار فوسن إلى القرية.
الدخول إلى قلعة نويشفانشتاين

تفتح أبواب قلعة نويشفانشتاين أمام الزوار على مدار العام طيلة أيام الأسبوع، غير أنه الدخول ليس مجانيا باستثناء الأطفال الذين يلجون دون مقابل، ويستلزم دخولها للكبار تذكرة يتم شراؤها إما في مكتب التذاكر في قرية هوهينشفانجاو، أو عب ر الانترنت من الموقع الرسمي للقلعة.
أسعار التذاكر سنة 2025
- البالغين فوق 18 سنة: تذكرة مقابل 15 يورو.
- الطلاب: تذكرة مقابل 13 يورو.
- تذاكر كبار السن: تذكرة مقابل 13 يورو.
- الأطفال أقل من 18 سنة: دخول مجاني
- تذكرة خاصة مشتركة لزيارة قلعة نويشفانشتاين وقصر هوهينشفانجاو معا: 25 يورو.
- للحجز عبر الانترنت: هنا
نظرة عامة حول قصر نويشفانشتاين
سميت قلعة نويشفانشتاين بهذا الاسم والذي يعني حرفيا بالألمانية قلعة حجر البجعة الجديدة، وقد كانت يطلق عليها في الأصل قبل وبعد اكتمال بنائها مباشرة اسم قلعة هوهينشفانجو الجديدة، إذ كان يرغب الملك لودفيج الثاني ملك بروسيا أن تكون قلعة نويشفانشتاين توأم لقلعة هوهينشفانجو، نظرا للذكريات التي طبعت لديه علاقة بهذا الأخيرة، فأراد تكريمها بأفضل طريقة ممكنة.
يسمح موقع القلعة وسط جبال الألب للزوار بالاستمتاع بإطلالات فائقة الروعة على المناظر الطبيعية الخلاب، بما فيها الغابات الكثيفة والجبال الشاهقة الارتفاع والوديان والأنهار المتدفقة بين الفجاج والتلال الممتدة على مرمى البصر، كما أن جسر يبعد عن القلعة مسافة 500 متر، مما يتيح لزوارها الوصول إليه عبر ممر مذهل وسط الغابات، والوقوف فيه ومشاهدة المنطقة الطبيعية من أفضل نقطة مراقبة على الإطلاق.
الخلفية التاريخية لقلعة نويشفانشتاين
تعد قلعة وقصر واحدة من أجمل الصروح المعمارية التي خلفتها مملكة بافاريا خلال القرن التاسع عشر، وقد قام الملك لودفيج الثاني ببنائه في الفترة الممتدة بين 1868 و1986، وظلت فكرة تشييدها لتكريم أعمال الفنان والملحن الشهير ريتشارد فاجنر تراود ملك الأحلام لودفيج الثالث، والذي كان معجبا به لدرجة الهوس عاما كاملا دون تنفيذ المشروع.
شرع البناؤون بأوامر من لودفيج الثالث في وضع الأساسات الأولى للقلعة عام 1969، ورغم أنها لم تكمل بعد عام 1984، إلا أن لودفيج انتقل لها وعاش بها كملاذ جبلي شخصي له، واستمر العمل فيها حتى عام 1986، فتوقف أعمال البناء بعد موت الملك لودفيج الغامض.
العظمة المعمارية لقلعة نويشفانشتاين
اكتسبت قلعة نويشفانشتاين شهرتها الكبيرة لكونها إحدى أبرز القصور المذهلة معماريا في منطقة بافاريا من جهة، ولأنها شكلت مصدر الإلهام لبناء قلعة ديزني النائمة الشهيرة التي ظهرت في العديد من الأفلام.
تعد قلعة نويشفانشتاين واحدة من المعالم المعمارية الفخمة والرائعة الجمال، وقد تم تصميمها هندسيا باعتماد أساليب وأنماط وطرازات عمارة متعددة، إذ أنها جمعت بين طراز عصر النهضة، والأسلوب القوطي في المعمار، بالإضافة لفخامة الهندسة البيزنطية، مما يعكس مدى تأثر الملك لودفيج الثالث بأساطير فرسان العصور الوسطى، والتقدير الذي يكنه لجمالية الصروح المعمارية الرومانتيكية.
قصر نويشفانشتاين من الخارج
- مدخل قلعة نويشفانشتاين الرئيسي
شيد مدخل قلعة نويشفانشتاين على الطراز المعماري الرومانسي الذي كان رائجا في القرن التاسع عشر، إذ يتم الاعتماد على أسلوب عصر النهضة الهندسي من خلال لمسة جديدة، وهو مدخل ضخم مستوحى هو الآخر من عالم القصص الخيالية، مما جعله يتسم بالهيبة والعظمة.
أحيط المدخل بإطار حجري مزين بنقوش تصور الفرسان في العصور الوسطى، بالإضافة لزخارف فنية تمثل الأسود والتنانين كرمز للقوة، فيما استخدم الخشب الداكن لصناعة أبوابه، كما أن مقابضها صنعت من البرونز، وقد نحتت عليها رؤوس الأسود، وتنتشر فيه الفوانيس المعدنية التي تستخدم للإضاءة.
- الأبواب والأسقف
تتمتع قلعة نويشفانشتاين بمظهر فخم وأنيق بفضل الألوان الذي صبغت بها الجدران والأسقف، إذ استخدم الحجر الجيري الأبيض في الجدران، كما تم تزيين الجدران بالنقوش الحجرية التي تمثل الفرسان والملوك في القصص الخيالية الشهيرة في العصور الوسطى بما فيها الأساطير الجرمانية الضاربة في القدم، فيما تتميز أسقفها بكونها مائلة وداكنة للغاية، إذ تم تغطيتها بالقرميد الأسود والرمادي، وهو ما جعلها مع الجدران تنسجم مع الطبيعة الخلابة المحيطة بها.
- منحوتات الأسود
تجسد منحوتات الأسود التي تم نحتها في أعلى القلعة قوة المملكة البروسية، وتمنح القلعة ككل مظهر الهيبة، كما توجد بجانبها تماثيل صغيرة وضعت لإضفاء طابع السطوة، ومع ذلك فكلاهما زادا من جمال المظهر الخارجي لهذا القصر الملكي، بالإضافة للزخارف التي زينت بها الأبواب والنوافذ، وهي عبارة عن تمثيل للزهور والكروم، والتي تعد لمسة مميزة للفن الرومانسي في العمارة.
- أبراج القلعة
تعد الأبراج الشاهقة العلو والمدببة مع قبابها المخروطية أحد أبرز المكونات الجمالية لقلعة نويشفانشتاين من الخارج، فهي تمثل عالم القصص الخيالي الذي استلهم منه البناء الهيكلي للقلعة، كما أنها كونها أبراج مزخرفة منح القلعة جمالا خاصا، بالإضافة لكونها هندسيا مناظرة لأبراج القلاع التاريخية التي شيدت خلال العصور الوسطى.
- نوافذ القلعة
تعتبر نوافذ قلعة نويشفانشتاين أكثر نموذج هندسي يمثل الأسلوب القوطي في فن العمارة، فهي نوافذ كبيرة للغاية، وقد تم تزيينها بأقواس مستديرة مزخرفة بشكل مثيرا للإعجاب، إذ أن هذه الزخارف تصور مشاهد مختلفة من القصص الخيالية أبرزها أسطورة بارسيفال وملحمة نيبيلونغن.
- التراسات والشرفات الخارجية
صممت التراسات والشرفات في قلعة نويشفانشتاين على الطراز المعماري لعصر النهضة الممزوج مع الأسلوب القوطي في فن العمارة، وهو ما منحها روعة هندسية، وأضاف على مظهر القلعة الخارجي جمالا فنيا بارزا.
زينت شرفات وتراسات هذه القلعة بالدرابزين الحجري، والذي يحتوي على نقوش معقدة عبارة رسوم للورود والنباتات، وهي تحمل رمزيات دينية وثقافية جيرمانية عريقة، كما أن تحتوي على أقواس مدببة تمت زخرفتها بمنحوتات حجرية مستوحاة من عصر النهضة.
- قلعة نويشفانشتاين من الداخل
تتكون قلعة نويشفانشتاين من خمسة أطباق داخلية جميعها تمثل قمة الهندسة المعمارية خلال القرن التاسع عشر، كما أنها تجسد الرؤية الحالمة للملك لودفيج وارتباطه الوثيق بالقصص الخيالية والأساطير الجرمانية القدية.
- الطابق الأرضي
يتميز الطابق الأرضي بكونه فسيحا للغاية، وقد تم تبليط أرضياته بالرخام المتنوع الألوان والمزين بزخارف تجسد التراث الجيرماني العريق، فيما جدرانه داكنة اللون علقت عليها لوحات جدارية مختلفة، كل واحدة منها تجسد حكاية اسطورية قديمة تعود للعصور الوسطى.
تمثل الردهة الضخمة المساحة أهم مكونات الطابق الأرضي، وهي تحتوي على قباب وأقواس جميعها مزخرفة بالنقوش، كما تنتشر فيها الثريات البرونزية والكريستالية المعلقة على أسقفه، وتوجد كذلك سلالم لولبية مزينة بالنقوش الذهبية والدرابزين الخشبي تربط بينه وبين باقي الطوابق.
- الطابق الأول
تم تصميم الطابق الأول ببساطة هندسية كونه طابقا خاص بالخدم، فهو يحتوي على غرف مخصصة لإقامة العاملين في خدمة الملك لودفيج، كما توجد به غرف خاصة بالمؤونة والطعام، وقد تم تزيين جدرانه بزخارف بسيطة مع الخشب، وهو يضم نوافذ صغيرة.
- الطابق الثاني
يعد الطابق الثاني في قلعة نويشفانشتاين أهم مكوناتها الداخلية، فهو يحتوي على غرفة العرش، والتي تم تصميمها على الطراز القوطي، بحيث تكون مشابهة للكنائس الشهيرة في أوروبا خلال العصور الوسطى، وأرضيتها مبلطة بالفسيفساء، فيما سقفها مزينة بما يشبه القبة السماوية، إذ تمت زخرفته بنقوش للغيوم والنجوم.
يضم الطابق الثاني كذلك غرفة النوم الملكية، والتي تتميز بأعمدتها الخشبية، والزخارف التي تعكس الأساطير الجيرمانية، بالإضافة للوحات جدارية للفرسان والحروب في العصور الوسطى معلقة على جميع جدرانها، وهي تحتوي على موقد حجري مزخرف بشكل بديع.
توجد أيضا في هذا الطابق غرفة خاصة بتناول الطعام، تم تزيين جدرانها بلوحات جدارية بعضها تمثل تفاصيل الحياة خلال العصور الوسطى، والبعض الأخر عبارة عن صور لملوك وملكات من التاريخ القديم وهم جالسون في ولائم ملكية خاصة.
- الطابق الثالث
يحتوي الطابق الثالث على قاعات كبيرة المساحات بما فيها أكبر قاعة في القلعة وهي قاعة المغنين، وهي مخصصة لاستضافة الحفلات والعروض الموسيقية، وقد تم تزيينها برسومات وديكورات وزخارف تجسد الأساطير الجرمانية.
يشتمل هذا الطابق كذلك على قاعة مخصصة لتكريم الفرسان والاحتفاء بهم، وقد سميت بقاعة الفرسان، وهي فسيحة للغاية رغم كونها أصغر من قاعة المغنين، وهي تحتوي على أعمدة من الرخام، وسقف مزين بالجواهر والأحجار الكريمة والذهب.
- الطابق العلوي
يوفر هذا الطابق إطلالات بانوراميا مذهلة على المنطقة الطبيعية المحيطة بالقلعة بما فيها الغابات والجبال والوديان، وتوجد به منصات للمراقبة، كما تم تزيينه بالزخارف والنقوش التي تصور مشاهد من الأساطير الجرمانية.
- الممرات والغرف الجانبية
تتضمن قلعة نويشفانشتاين بالإضافة لغرف طوابقها الخمسة العديد من الممرات المزينة بالنقوش والزخارف لمختلف الأشكال الهندسية الشهير في العصور الوسطى، وتوجد بها مصابيح بزجاج ملون تستعمل للإضاءة، كما تحتوي القلعة على غرف جانبية تستخدم لمهام مختلفة حسب الحاجة، وقد تم تزيينها بأثاث عتيق وفاخر منحها مظهرا جماليا خاصا.
إن قلعة نويشفانشتاين هي إحدى أروع المعالم التاريخية في منطقة جبال الألب بولاية بافاريا الألمانية، وهي تحفة فنية ومعمارية شامخة وسط المناظر الطبيعية الخلابة، كما أن تصميمها المستوحى من عالم القصص الخيالية جعلها صرحا عظيما يستحق الزيارة والاستكشاف.