قصر طوب قابي تحفة فنية في قلب إسطنبول

عاشت تركيا خلال عصر الإمبراطورية العثمانية واحدة من أزهى مراحلها عبر التاريخ، إذ صارت منارة في العلم والعمران والثقافة، كما أتنها بلغت مراحل من القوة والسلطة تجسدت في امتدادها الواسع على مستوى أوروبا وافريقيا وآسيا، وقد خلفت هذه الحضارة مآثر ومعالم آية في الدقة والبراعة، ورمزا للفخامة والسلطة والسطوة مثل المسجد الأزرق وقصر ثوبا كابي، وهذا الأخير تم تخليده في عدة أعمال فانتازيا، بل إن مشاهد عدة من مسلسل حريم السلطان المشهور تم تصويرها داخله. في هذا المقال سنقدم لكم دليلا شاملا حول قصر ثوبا كابي.

وصف عام لقصر طوب قابي

يعود تاريخ بناء قصر طوب قابي للقرن الخامس عشر الميلاد، إذ تم تشييده من طرف السلطان محمد الفاتح بعد فتح القسطنطينية في الفترة الممتدة بين 1460م و1478م، وقد كان الهدف من إنشائه هو بناء مقر حكم سلطاني، بحيث يكون مقر إقامة للعائلة الملكية الحاكمة وحاشيتها، كما يتم استخدامه كمقر حكومي لتسيير أمور الدولة.

يتميز قصر ثوبا كابي بهندسته المعمارية المثيرة للإعجاب، إذ تم استلهام طريقة بنائه من قصر أدرنة الذي أسسه السلطان مراد كرمز لقوة الإمبراطورية العثمانية، وهو نفس الأمر الذي فعل السلطان محمد الفاتح، حيث جعل من قصر ثوبا كابي مثالا على فخامة العمارة العثمانية، مما جهله واحد من أهم وأبرز المعالم التاريخية والثقافية والفنية في تركيا، لاسيما وأن هذا القصر وضعت فيه الأمانات المقدسة، وجمعت داخله آثار تعود للعهد النبوي.

سمي قصر ثوبا كابي بهذا الاسم لأن مدخله كان يقع عند مستودع المدافع خلال عصر الإمبراطورية العثمانية، ولأنه كان بمثابة حصن دفاعي، فكلمة ثوب تعني المدفع، وكابي تعني البوابة، وهو ما يقصد به بوابة المدفع، وقد ظل طوال 400 عام مقرا ملكيا وبلاط حكم للسلاطين العثمانيين حتى خمسينيات القرن التاسع عشر، حيث لم يعد ملائما للبروتوكولات الخاصة بالدولة ومراسيمها، فتم الاستغناء عنه كمقر إقامة وحكم للسلطان، وانتقل السلاطين منذ ذلك الحين إلى قصر دولما بهجة الذي يقع في مضيق البوسفور.

الموقع وكيفية الوصول

يقع قصر ثوبا كابي في المنطقة التاريخية والسياحية الشهيرة في إسطنبول المعروفة باسم منطقة السلطان أحمد، إذ يحده غربا مضيق البوسفور، فيما يحده شرقا بحر مرمرة، مما منحه موقعا استراتيجي يتيح لزواره الاستمتاع بإطلالات بانوراميا على هذه المناطق الطبيعية الساحرة.

يسمح التواجد بقصر ثوبا كابي بالصول إلى معالم سياحية شهيرة في إسطنبول تقع هي الأخرى بمنطقة أحمد مثل آية صوفيا والتي تبعد مسافة 5 دقائق سيرا على الأقدام منه، فيما تفصل بينه وبين المسجد الأزرق مسافة تقطع في ظرف 7 دقائق من المشي، كما أن البازار الكبير يتواجد على بعد 15 دقيقة سيرا منه، أما عمود قسطنطين فيكفي أن يمشي الزائر قرابة 10 دقائق ليصل إليه انطلاقا من متحف ثوبا كابي.

يمكن للسياح أثناء تواجدهم في إسطنبول الوصول بسهولة إلى قصر ثوبا كابي عبر الحافلة أو الترامواي T1 اللذان يمران أمامه أثناء عبورهما منطقة السلطان أحمد، أو يمكن استخدام سيارة الأجرة والتي تقوم بإيصال الزوار من مختلف مناطق إسطنبول نحو منطقة أحمد في دقائق معدودة وبسعر معقول.

أفضل وقت للزيارة قصر طوب قابي

يستقطب قصر ثوبا كابي الذي أصبح متحف منذ مرحلة حكم كمال أتاتورك الملايين من الزوار سنويا، والذين يتوافدون عليه من أجل التعرف على تاريخ الإمبراطورية العثمانية وثقافتها ورؤية التحف والآثار التاريخية القيّمة المتواجدة داخله، علاوة على تصميمه ومكوناته المعمارية الفائقة الروعة بين حدائق وساحات وقاعات مثيرة للإعجاب أبرزها قسم الحريم والمعروف باسم قصر حريم السلطان.

تعد الفترة الممتدة من يونيو حتى غشت هي ذروة الموسم السياحي في تركيا بشكل عام، وفي إسطنبول بشكل خاص، إذ يتوافد الآلاف بل الملايين من السياح على منطقة أحمد لزيارة مختلف المعالم السياحية بما فيها قصر ثوبا كابي، ما يجعل المنطقة تعرف ازدحاما كبيرا طوال أشهر الصيف.

تعتبر الفترتان الممتدتان من مارس ماي، ومن شتنبر إلى نوفمبر هما الأكثر مثالية للقيام بزيارة منطقة أحمد، على النقيض تماما مع موسم الذرة السياحي، إذ يكن الطقس خلالهما معتدلا، وتقل أعداد الزوار، مما يخول للسياح التجول وزيارة المعالم السياحية بعيد عن الازدحام.

يمكن للسياح زيارة قصر ثوبا كابي على مدار العام طيلة أيام الأسبوع ما عدا يوم الثلاثاء، إذ تفتح أبوابه أمام العموم ابتداء من الساعة 09:00 صباحا، ويتم إقفاله عند الساعة 18:00 مستاء، ويعرف ازدحام نسبيا في الفترة الممتدة من 11:00 صباحا حتى 14:00 بعد الظهر، لذا من الأنسب الذهاب إليه باكرا أو بعد الساعة 15:00، دون نسيان أن آخر وقت يسمح فيه بالدخول هو عند 17:00 مساء.

سعر تذكرة الدخول قصر طوب قابي

يبلغ سعر حجز تذكرة الدخول إلى قصر ثوبا كابي حوالي 1500 ليرة تركية، وهو ما يعادل 55 دولار، وهي تذكرة للدخول إليه والتجول في ساحاته وحدائق ومتحفه باستثناء قسم الحريم، والذي يتوجب الدخول إليه وزيارته شراء تذكرة إضافية يصل سعرها إلى 500 ليرة تركية، أي ما يعادل 18 دولار.

قصر طوب قابي من الداخل

يتكون قصر ثوبا كابي من مدخل مهيب، ومجموعة من الساحات والحدائق الداخلية والخارجية، كما تتواجد به قصور سلطانية، وقاعات متعددة، وأروقة وممرات، بالإضافة للمتحف الإسلامي، وقسم الحريم الشهير فيه.
يضم القصر كذلك مسجدين، و400 غرفة، وحمامات تقليدية، ومستشفى، وثكنات، وأكشاك، ومجموعة من الأجنحة الملكية أبرزها جناح العهد، وأجنحة زوجات السلطان، وجناح والدة السلطان، وجناح خاص بديوان السلطان ووزرائه، وأجنحة مخصصة للخدم والحراس، وجناح عبارة عن قاعة على شكل متحف تحتضن الهدايا التي يتلقاها السلطان.

• بوابة الباب العالي

تعد بوابة الباب العالي هي المدخل الرئيسي لقصر ثوبا كابي التي يلج من خلالها الزوار إلى ساحة الفناء الكبرى، وقد كانت طوال 400 عام محطة العبور للوصول إلى قسم الحريم وقاعات تسيير شؤون الدولة، وتتميز بطابعها الدفاعي فهي عبارة عن جدران شاهقة العلو، تنتصب فوقها أبراج للمراقبة.

• الممرات والأروقة

يمتاز قصر ثوبا كابي بكثر الممرات والأروقة التي يؤدي كل واحد منها إلى قاعة أو حديقة أو قسم خاص داخل القصر، وقد تم بناؤها بهندسة معمارية مثيرة للإعجاب، إذ أن ترصيفها بالأرضيات الرخامية ما يعكس الإرادة القوية للسلاطين العثمانيين في إبهار الضيوف بفخامة القصر، كما تم اعتماد الفسيفساء والزخارف الخشبية لزيين الجدران، بالإضافة لتزيين الأقواس المنتشرة على طول الأروقة بالنقوش والكتابات الدينية.

• القصر الداخلي

يعد القصر الداخلي في ثوبا كابي واحد من أبرز المعالم المعمارية الشهيرة به، فقد تم تشييده بالطراز المعماري العثماني مع لمسة جمالية من الطراز القوطي، وهو ما زادها حسنا وبهاء، وهو يتكون من عدة قاعات وأماكن تصل بينها مجموعة من الأروقة والممرات المزينة بالفسيفساء والزخارف والنقوش الإسلامية.

• قاعة العرش

تقع قاعة العرش داخل القصر الداخلي، وهي من أشهر وأجمل الأماكن في قصر ثوبا كابي، وقد صممت لتكون مقرا للسلطان العثماني، ففيها كان يتجمع مع رجال الدولة ويتشاور في شؤون تسيير الإمبراطورية، كما أنها كانت مخصصة لاستقبال الضيوف، وقد تزيينها بالأرضيات الرخامية والزخرفة الإسلامية.

• قاعة السلطان

تعرف كذلك بالقاعة الخاصة بالسلطان، أو قاعة سدة الحكم، وهي مكان إقامة السلطان العثماني مع أفراد أسرته، وقد اهتم بها السلاطين كثيرا فأثثوها بأفخر أنواع الأثاث، وزينوها بالزخارف والنقوش الدينية، كما استعملوا الألوان الذهبية في طلاء الجدران الداخلية فيها للتأكيد على الرمزية الملكية لهذه القاعة.

• قاعة المعروضات

إن هذه القاعة هي الأهم داخل قصر ثوبا كابي علاقة بالتاريخ والثقافة والتراث العثماني مقارنة بباقي القاعة، فهي منذ تشييد القصر ككل خصصت لتكون بمثابة المخزن الذي توضع فيه القطع التاريخية النادرة، والأسلحة العثمانية العريقة، بالإضافة لكونها تشتمل على مخطوطات دينية عالية القيمة، كما أن مختلف السلاطين العثمانيين كانوا يأخذون ضيوفهم الأجانب لمشاهدة ما تحتويه القاعة.

• قسم الحريم

إن هذا القسم في قصر ثوبا كابي شهير لدرجة لا يمكن تصورها، فقد كان هو مقر إقامة زوجات السلطان وجواريه ونساء العائلة الحاكمة، وفيها كانت تعاش حياة مختلفة من الصراع والمكائد وقصص الحب الملكية، وقد ألفت حوله القصص والحكايات والشائعات على مدار 400 عام، كما تم تخليده في مسلسل حريم السلطان الشهير، ليس هذه وحسب بل تم تصوير مشاهد المسلسل المتعلقة بقسم الحريم في مرحلة العثمانيين التي تطرق لها العمل الفانتازي في قسم الحريم الحقيقي نفسه.

يتكون قسم الحريم من مجموعة من الغرف الفاخرة والتي تم تصميمه بدقة معمارية غاية في الروعة، وهي غرف صغيرة المساحة، جميلة الزينة الزخرفية، بهية الألوان، تربط بينها عدة ممرات ضيقة، وتعد غرفة السلطانة الأم هي أشهر وأهم غرفة في قسم الحريم، لما كانت تتمتع به أم السلطان المقيمة فيها من سلطة من جهة، وبسبب فخامتها وجمالها المعماري من ناحية أخرى، بالإضافة لكل هذا تحيط بقسم الحريم العديد من الحدائق الغناء والساحرة والتي تطل على البحر، مما يتيح للمقيمات فيه إطلالات فائقة الروعة على الواجهة البحرية، وهي حدائق تم تصميمها بشكل جميل للغاية، وقد كانت من الأماكن التي تعرف حيوية وحركة دائمة داخل فقصر ثوبا كابي خلال عصر الإمبراطورية.

• حدائق قصر ثوبا كابي

يتماز قصر ثوبا كابي بوجود حدائق داخلية وخارجية فيه، وهي حدائق ذات جمال طبيعي خلاب، حيث تتكون أغلبها من أحواض مائية مزخرفة، أشجار مورقة، وأزهار وورود تتفتح في الربيع فتزيد المنظر حسنا وبهاء صممت لتكون مفتوحة على كل من مضيق البوسفور وبحر مرمرة، وتعتبر حديقة الساحة الكبرى أشهر هذه الحدائق.

• متحف ثوبا كابي

أصبحت تركيا بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية عام 1922م دولة جمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك، فتم تحويل قصر توبا كابي إلى متحف وطني بتاريخ 3 أبريل 1924، ليصبح هو الآخر مفتوحا أمام الزوار، ويتحول إلى رمز وطني يمثل هوية تركيا العلمانية.

يعد متحف ثوبا كابي عبارة عن مكان مفتوح لعرض القطع الأثرية والحلي والمجوهرات العثمانية التي يرجع تاريخها للفترة الممتدة من القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر، وهو يضم مكتبة القصر التي تحتوي على العديد من الكتب الدينية والتاريخية القيمة، كما تتوفر بها مخطوطات نادرة غاية في الأهمية، يعرض مجموعة من القطع الأثرية الرائعة التي تم جمعها طوال قرون من الحكم العثماني:

• الأمانات المقدسة في قصر ثوبا كابي

إن الأمانات المقدسة والتي تم ذكرها والإشارة إليها في مسلسل المؤسس عثمان، وهو أحد أعمال الفانتازيا التي تعرض تاريخ تأسيس الإمبراطورية العثمانية، يقصد بها الآثار والمتعلقات والمقتنيات التي تعود للعهد النبوي، وتنسب للنبي محمد وصحابته تم جمعها أو شرائها ووضعها في قصر ثوبا كابي، وقد حظيت باهتمام بالغ من قبل السلاطين العثمانيين، والذين اعتبروها كنوزا اسلامية اعتنوا بها لما لها من قدسية لدى المسلمين.

تعد هيركا السعادة وهي السترة التي يقال بأنها للنبي أبرز الأمانات المقدسة المتواجدة داخل قصر ثوبا كابي، بالإضافة لخيوط من لحيته، وخاتم يده، وأثر قدمه، ومقبض سيفه، وجزء من تراب قبره، وصندله، وقوسه مع سهمه.

توجد كذلك ضمن الأمانات المقدسة سجادة للصلاة وشترة وقميص يقال بأنها مقتنيات شخصية لابنة الرسول فاطمة الزهراء، كما تتوفر ضمن مكونات الأمانات المقدسة سيوف للصحابة، والسنجق الشريف، والحوض الذهبي للكعبة، وسياج الحجر الأسود، وأقفال الكعبة مع المفتاح، بالإضافة لوعاء النبي إبراهيم، وسيف النبي داود.

إن قصر ثوبا كابي هو واحد من أهم المعالم التاريخية الإسلامية الواقعة في إسطنبول التركية، وهو مثل الجامع الأزرق وآية صوفيا شواهد حية على عظمة وروعة المعمار العثماني، كما أنها تظل معالم تذكر العالم بقوة وسطوة الإمبراطورية في مرحلة ازدهارها.