قصر روهان جولة في أحد أجمل المعالم التاريخية في ستراسبورغ
يقول ديفيد بوين “الثقافة هي تلك الأشياء التي تحافظ على إنسانيتنا في عالم يتغير باستمرار”، وقد سعت مدينة ستراسبورغ إلى تطبيق هذا القول بحذافيره، إذ تعد من أبرز المدن الثقافية والتاريخية في أوروبا، حيث تجمع بين التأثيرات الفرنسية والألمانية في معمارها وطابعها، وهي مركزا للسياسة والدين على مدار قرون طويلة، وذلك بفضل موقعها الاستراتيجي على ضفاف نهر الراين، وتتوفر بها معالم سياحية وتاريخية شهيرة أبرزها قصر روهان، والذي ينتصب كشاهد على تاريخها الغني، وهو يقف في شموخ وكأنه يعكس القوة والسلطة في العصور الماضية.
قصر روهان
يعد قصر روهان رمزا للتراث الثقافي بستراسبورغ، وهو أحد أهم المعالم التاريخية في عاصمة منطقة الألزاس واللورين، كما أنه أحد أبرز الصروح المعمارية ذات جمال التصميم التي تم بناؤها خلال القرن الثامن عشر.
يجمع هذا القصر بين المعمار الباروكي الرائع والزخارف الفنية التي تجسد ذوق تلك الحقبة من التاريخ، وهو يضم ثلاثة متاحف رئيسية تعرض فنون زخرفية رائعة وأعمالا فنية متميزة، مما يعكس غنى التراث الثقافي للمدينة، لا سيما أنه كان في مرحلة ذروته فيما يخص المكانة الدينية مقرا لأساقفة المدينة.
يقف قصر روهان كتحفة فنية معمارية تعكس عبق التاريخ وروعة الثقافة، وهو يمتد بأبهته على مساحة تقدر بـ 5000 متر مربع، وهو يقع قبالة كاتدرائية ستراسبورغ الشهيرة والتي تعد أشهر ما يوجد بالمدينة.
التاريخ والتصميم
إن قصر روهان هو معلم يجمع بين التاريخ والأناقة والطبيعة الجميلة، وهو يتجاوز كونه معلما سياحيا، إذ يمكن اعتباره ورقة بمثابة مخطوطة تتحدث بلغة الحب والذكريات، وقد تم بدء عمليات بنائه عام 1732، وافتتح أول مرة عام 1742.
تم تصميم قصر روهان من قبل المهندس المعماري الفرنسي روجيه دي كوتير، والذي اعتمد على الأسلوب المعماري الباروكي في البناء الهندسي لهذه التحفة الفاخرة، مع واجهة ذات تفاصيل دقيقة أكسبته فخامة خاصة، إلى جانب تجسيدها للإبداع المتقن في فن البناء.
موقع قصر روهان
يقع قصر روهان وسط مدينة ستراسبوغ بفرنسا، وهو يطل على نهر إلس، مما يجعله مكان مثاليا للاستمتاع بإطلالة بانوراميا على الواجهة النهرية أمامه، كما أنه ينتصب شامخا قبالة كاتدرائية ستراسبورغ، وهو ما حوله لنقطة جذب سياحية رئيسية بالمدينة.
كيفية الوصول إلى قصر روهان
تعد وسائل النقل العام أفضل وسيلة للوصول إلى المعلم التاريخي الرائع قصر روهان، إذ يمكن للزائر أن يستقل الترام عبر خط A أو D والاتجاه نحو محطة مارتين شابيل، وهناك بعد الهبوط سيتوجب على الضيف السير لدقائق قليلة والوصول مباشرة إلى القصر.
أما بالنسبة للأشخاص الذين يحبون استخدام الحافلات، فيمكنهم الصعود في حافلات الخط 10 أو 60، والتي توجد محطات توقف لها على مقربة من قصر روهان، كما يمكن استعمال سيارات الأجرة للذين يتواجدون في ستراسبورغ، أو الاستمتاع بالمشي بالنسبة لأولئك الذين يحبون السير لمسافات طويلة.
أفضل أوقات زيارة قصر روهان
يعد فصلي الربيع والخريف هما الوقتان المثاليان للقيام بزيارة قصر روهان المصنف ضمن أجمل معالم ستراسبورغ، ففي الفترة الممتدة من مارس إلى ماي تزهر الحدائق المحيطة بالقصر، مما يجعل الأجواء رائعة للتجول والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة.
أما في الفترة الممتدة من شتنبر إلى نوفمبر فيكون الازدحام أقل عن باقي فصول السنة، كما أن الطقس يعتدل بشكل مميز، ويتيح الخريف للزوار التنزه وسط الأوراق المتساقطة والهواء العليل، إلى جانب أن الشمس تكون إضاءتها مثالية للتأمل في تفاصيل القصر المعمارية.
خلال النهار يفضل الذهاب والقيام بجولة في قصر روهان بين 09:00 و 11:00 صباحا، إذ على خلاف باقي أوقات النهار يقل توافد الزوار على القصر في هذا التوقيت، كما أن الجو العام خلال هاتين الساعتين يتسم بالهدوء.
تجربة الزيارة
تستقبل الزوار عند الوقوف أمام قصر روهان واجهته الرخامية الفائقة الروعة، وقد تم تزينها بنوافذ منحنية وأعمدة زخرفية، مما يكون كفيلا بإثارة الانتباه إلى جمال التفاصيل التي تعكس عظمة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فهي بعد كل شيء العلامة المميزة للتصميم المعماري الباروكي.
داخل هذا القصر، يكتشف الزائر ثلاثة متاحف تأخذه في رحلة عبر الزمن، فمتحف الفنون الزخرفية يعكس براعة الحرفيين، ومتحف الفنون الجميلة الذي يتزين باللوحات مثال على الحياة النابضة وسط الجدران، ومتحف التاريخ يتكفل يسرد قصص المدينة الغنية.
تحيط بهذا القصر حدائق غناء وخلابة، مما أضفى لمسات جمالية طبيعية على المكان، وهو ما يجعله ملاذا مثاليا لعشاق التنزه والاسترخاء، كما يجاور القصر معالم شهيرة بالمدينة، فكاتدرائية ستراسبورغ القوطية بسحرها الخارق للمكان والزمان ترتفع في الأفق أمامه، مما يعزز من جاذبية المنطقة التي يتواجد بها روهان.
تتزين غرفه بزخارف مدهشة يعجز اللسان عن وصفها، فهي نقوش وتفاصيل أبدع الحرفيين في نحتف على الجدران، بالإضافة لكونها تحتوي على تحف فنية وقطع أثرية، مما يجعل المتجولين بها يسبحون في الجمال المعماري، إلى جانب أسقفه الملونة والتي تثير الانتباه بشكل مميز، مما يخلق أجواء ساحرة تدعوك للاستكشاف والاستمتاع في ذات الوقت.
أما قاعة الاستقبال الأنيقة فهي في حد ذاتها معلمة تجعل الواقف فيها يتأمل الجمال في أبهى حلة، ولكونها رائعة بشكل لا يصدق، فقد تم تخصيها لتحتضن الفعاليات وأمسيات الاحتفاء بالذاكرة، فهي المكان الذي يرفع فيه النخب تلو الآخر في لحظات الفرح والمتعة.
وهناك أيضا على مقربة من قاعة الاستقبال توجد قاعة المآدب الشهيرة ذات الزخارف الساحرة، وهي القاعة التي استضافت الشخصيات اللامعة في تاريخ ستراسبورغ، والضيوف ذوو المكانة والرتب العالية على المستوى الديني والسياسي في أوروبا.
غير بعيد عنها توجد غرف الرسم، حيث يندمج الضيوف في عوالم الفن المحفزة للعقول والأذهان، ففيها تتألق اللوحات التي رسمت بلمسات فنانين عظماء، وعلى مقربة منها تفتن المكتبة بجاذبيتها المعرفية ومحتوياتها الموسوعية في إثراء تجربة الزيارة، ففيها تتناثر الكتب والمخطوطات كحكايات تنتظر من يكتشفها.
خارج القصر تكتمل جمالية التجربة وروعتها، إذ تساهم الحدائق المحيطة بهفي إتمام هذا المظهر البديع، فهي تحفه من كل جانب كأنها حواف ذهبية للوحة فنية تزيد من بهاء هذا المشهد الأكثر من رائع، وعدم وجودها كان ليجعل الصورة منقوصة بشكل مستفز.
تتربع كاتدرائية ستراسبورغ القوطية في الأفق قبالة القصر لتجعل الزوار يصلون لقمة الإشباع أثناء زيارتهم له، فببرجها الشاهق الذي يعانق السماء يضفي سحرًا خاصا على أجواء القصر، كما أن تاريخها الغني يمنح المكان ككل هالة من الروحانية الآسرة للقلوب.
وغير بعيد عن قصر روهان في حي لا بتي فرانس القريب منه، تتناغم القنوات الصافية مع الأزقة الضيقة المعبدة، وهناك تصطف المطاعم والمقاهي على قارعة الطريق، مما يمنح الزوار فرصة التعرف على الثقافة المحلية، كما يمكنهم الاستفادة من تجارب تناول الطعام المميزة فيها، وعند ذلك سيتمكنون من تذوق ألذ النكهات والأطباق.
إن كل بقعة في قصر روهان تحكي قصة تاريخية، وكل زاوية به تدعو الزوار لتأمل الجمال المعماري واستذكار الأحداث التاريخية التي مرت على ستراسبورغ، فلو قمتم بزيارة هذا المعلم التاريخي والسياحي الرائع ذات يوم، فتأكدوا أن رحلتكم إليه ستظل مطبوعة في أذهانكم، ومحفورة في ذاكرتكم.