عمود النصر في برلين | تاريخ وأسرار أحد أشهر معالم ألمانيا

يعمد المنتصرون في الحروب على مر التاريخ على تخليد لحظة انتصارهم عبر تشييد النصب التذكارية التي تظل شاهدة على لحظة القوة والسيادة التي تظل محفورة في أذهانهم ويرغبون في نقلها وتذكير العالم بها على مر السنين، ومثل باقي الدول والمملكات خلدت المملكة البروسية انتصارها على فرنسا والدانمارك والنمسا في حروب خاضتها ضدهم من أجل توحيد ألمانيا خلال القرن التاسع عشر عبر بناء عمود النصر في برلين، والذي اعتبر رمزا تاريخيا لانتصارهم ونجاحهم في جعل الأمة الألمانية تحت لواء واحد, في هذا المقال سنأخذكم في رحلة للتعرف على عمود النصر ببرلين في ألمانيا.

وصف عمود النصر ببرلين

يصنف عمود النصر كواحد من أهم وأشهر المعالم التاريخية والسياحية في العاصمة الألمانية برلين، وهو عبارة عن نصب تذكاري شامخا نحو السماء صنع من الرخام والحجر الرملي، وهو قائم على ارتفاع يصل إلى 67 مترا، ويرمز للنصر حيث وضع على قمته تمثال ذهبي للإلهة فيكتوريا بمثابة التاج، وقد زين العمود بالكتابات الزخرفية المعقدة والنقوش الجرمانية التي تؤرخ وتحتفل بالانتصارات العسكرية في ظل حكم مملكة بروسيا.

تاريخ عمود النصر

تم تصميم عمود النصر رمن قبل المهندس المعماري الألماني هاينريش ستراك، وقد تم تشييد في الفترة الممتدة من 1864 إلى 1873، وكان الغرض من بنائه هو الاحتفاء بانتصار البروسيين في الحرب البروسية الدانماركية، والتي وقعت عام 1864، والحرب البروسية الفرنسية التي استمرت عامين بين 1870 و1871، وكذلك بانتصار بروسيا على النمسا في الحرب التي جمعت بينها عام 1866.

وضع عمود النصر عام 1873 أمام مبنى الرايخستاغ الشهير المخصص للبرلمان الألماني، واستمر في نفس الموقع عقود طويلة رمزا للاحتفال بتوحيد ألمانيا بعد نجاحات الجيش البروسي في الحروب التي خاضها، غير أنه بعد صعود النازية للحكم ونتيجة لأعمال التجديد في برلين بما فيها توسيع الطرق والشوارع والممرات، قام النازيون بنقل عمود النصر إلى حديقة تيرجاتن عام 1939.

تعرضت برلين خلال الحرب العالمية الثانية إلى القصف الشديد الذي سبب دمارا هائلا طال جميع المباني، إلا أن عمود النصر لم يتعرض للتدمير، كما لم يلحقه ضرر كبير، ومع ذلك قامت السلطات الألمانية بعد الحرب بعمليات إصلاح وترميم لتمثال فيكتوريا الذهبي.

موقع عمود النصر

يقع عمود النصر في مي حديقة تيرجاتن وسك ميدان جروسيرشتيرن، وهو قريب للغاية من شارع 17 يونيو، وتفصل بينه وبين بوابة براندبورغ مسافة 1.8 كلم، فيما يبعد عنه مبنى الرايخستاخ مسافة كلم ونصف من جهة الشرق، ويعد قصر بيلفو هو أقرب معلم سياحي له إذ تفصل بينهما مسافة 800 متر.

كيفية الوصول إلى عمود النصر

يمكن الوصول إلى عمود النصر بسهولة كونه يقع في منطقة بارزة فهو بعد كل شيء متواجد في جروسير شتيرن في حديقة تيرجاتن، مما يجعله قريبا للغاية من محطات مترو الأنفاق Siegessäule، لذا يمكن استخدام مترو الأنفاق U-Bahn الذي يمر عبر الخط U9 ويمر عبر Hansaplatz التي تبعد عن العمود مسافة 15 دقيقة سيرا على الأقدام.

يستخدم كذلك القطار السريع للوصول إلى محطة Bellevu للقطارات التي تبعد عن عمود النصر مسافة 20 دقيقة سيرا على الأقدام، ودلك بالصعود في واحد من الخطوط S5 وS7 وS75، كما أن الحافلات رقم 106 و100 و187 تمر على مقربة من العمود.

يستطيع عشاق التجول أثناء التنقل استخدام الدراجات الهوائية للوصول إلى عمود النصر، إذ يمكن استئجار الدراجات وقيادتها عبر مساران مخصصة لها، مما يضمن لمستخدميها الاستمتاع بجولة غاية في الروعة ومشاهدة مختلف المعالم السياحية ببرلين، إلى جانب ذلك يستطيع الجميع الصعود إلى سيارات الأجرة من أي مكان في العاصمة الألمانية والوصول في غضون دقائق معدودة إلى عمود النصر.

أفضل وقت لزيارة عمود النصر

• الربيع والخريف

تعتبر الفترتان الممتدتان من منتصف مارس حتى منتصف ماي، وكذلك من أواخر شتنبر حتى نهاية أكتوبر هما الوقت المثالي والأنسب للقيام بزيارة سياحية إلى عمود النصر خلال فصول السنة المختلفة، إذ تتميز كلتاهما بالطقس المعتدل واللطيف، كما أن برلين تظهر أكثر جمالا خلالهما خاصة فيما يتعلق بالمناظر الطبيعية، إلى جانب نقطة مهمة وهي قلة الازدحام مقارنة مع ذرة الموسم السياحي خلال الصيف.

الساعات المثالية لزيارة عمود النصر خلال النهار

يوجد العديد من زوار برلين الذين يتساءلون حول الوقت المثالي لزيارة عمود النصر خلال النهار، منما يجعلهم محتارين في أي وقت يذهبون له، ولأجل ذلك نخبركم أن الفترتان الممتدتان من 08:00 حتى 10:00 صباحا ومن 16:00 حتى 18:00 مساء هما الأكثر مناسبا للذهاب إلى العمود، إذ يقل الزحام على خلاف باقي الساعات الأخرى، كما أن الإضاءة تكون جميلة للغاية.

• الشتاء

تتحول برلين ككل خلال الشتاء إلى لوحة فنية تشبه القصص الخيالية، كما أن معظم المعالم السياحية بما فيها عمود النصر تلبس الأبيض بسبب الثلوج التي تكسوها، كما أن الإضاءة الليلة وسط الجو الشتوي تجعله يظهر في منظر ساحر للغاية، مما يجل الفترة الممتدة من ديسمبر حتى نهاية فبراير فترة مناسبة لزيارة عمود النصر، خاصة للذين لا يعانون كثيرا مع انخفاض درجات الحرارة وهطول الأمطار وتساقط الثلوج.

• الصيف

تصبح الإضاءة خلال فصل الصيف أكثر قوة مما يجعل عمود النصر بارزا بشكل شامخ للغاية خلاله، غير أن الفترة الممتدة من منتصف يونيو حتى أواخر غشت تعرف فيها برلين ازدحاما شديدا، فبعد كل شيء الصيف هو ذروة الموسم السياحي في ألمانيا ككل، كما أنه أوقات الزيارة لعمود النصر في الصيف تمتد حتى 21:00 ليلا، وهو ما يتيح للضيوف وقتا أطول في حضرة هذا النصب التذكاري الشامخ.

• عمود النصر في الليل

يساهم موقع عمود النصر داخل حديقة تيرغارتن في تحوله ليلا إلى معلم سياحيا شامخ ومتلألئ في سماء العاصمة برلين، إذ تنعكس أضواء إنارة شارع 19 يونيو وأضواء حديقة تيرغارتن على العمود، مما يجعل ألوانه الصفراء والذهبية تتألق بشكل مذهل للغاية، إذ تبرز النقوش والكتابات الجيرمانية والتفاصيل المعمارية الدقيقة، كما أتن تمثال الإلهة فيكتوريا الذهبي يظهر متوهجا وسط الظلام وكأنه شعلة نارية لتمثال متوج على قمة العمود.

يصبح عمود النصر والمنطقة المحيطة به خلال الليل موقعا مناسبا ومثاليا للتصوير الليلي، خاصة باعتماد تقنية التعريض الطويل، والتي تستخدم في أساسها انعكاس أضواء السيارات على هيكل العمود، كما أن محترفي التصوير يلتقون صور غاية في الدقة والروعة لبوابة براندبورغ عبر إطلالة لا يمكن تصورها من على قمة العمود.

مكونات عمود النصر

صمم عمود النصر على الطراز المعماري الكلاسيكي، ومثل باقي المعالم التي تشيد على الأسلوب العائد للعصور الوسطى أو عصر النهضة فهو يمتاز بجمالية المظهر ودقة التفاصيل والزخارف والنقوش والكتابات المعقدة.

• قاعدة عمود النصر

يتكون عمود النصر من قاعدة تم صنعها من الجرانيت الأحمر وهي تمثل منصة العمود السفلية، وقد تم تزيينها بالتماثيل البرونزية والنقوش الزخرفية وجميعها تصور مشاهد عسكرية ترمز للانتصارات البروسية خلال حروبها التي أدت إلى توحيد ألمانيا.

• العمود

يعتبر العمود الذي يمتد نحو السماء على ارتفاع تجاوز 60 مترا أبرز مكونات عمود النصر، وهو ينقسم إلى أربعة أجزاء، وقد تم تزيين كل واحد منها بحلقة مزخرفة بالنقوش ومطلية بالذهب، وهي تحتوي على 60 مدفعا برونزيا، إلى جانب 285 درجة تشكل سلما يتجه حتى يصل إلى منصة المشاهدة التي توجد في القمة من عمود النصر.

• تمثال فيكتوريا الذهبي

يعد تمثال الآلهة فيكتوريا الرمز البارز وأهم مكون من مكونات عمود النصر، وقد وضع على قمته كتاج ذهبي يرمز للنصر والقوة، حيث ان التمثال تظهر فيه فيكتوريا حاملة إكليل من الغار في يدها اليمنى وتمسك صولجان بصليب حديدي في يدها اليسرى، وهو مصنوع من البرونز الذي تم طلاؤه بالذهب، ويزن 53 طنا، ويصل ارتفاعه إلى 8.3 مترا.

إن عمود النصر في برلين بألمانيا هو نصب تذكاري يظل شامخا لتذكير الأمة في ألمانيا بالانتصارات التي حققتها المملكة البروسية في سبيل توحيد ألمانيا تحت راية واحدة، وهو فوق لاذلك معلم سياحي غاية في الروعة يستحق الزيارة.