عش النسر في ألمانيا منصة الرئيس هتلر ورمز السياحة والثقافة

تعد مرحلة النازية في ألمانيا واحدة من أهم المراحل التاريخية التي مرت على البلاد، وقد خلف الرايخ الثالث العديد من المعالم والصروح المعمارية الفائقة الروعة أبرزها مطار تمبلهوف، وقاعة كونغرس الحزب النازي، وعش النسر، وهذا الأخير كان مقرا لإقامة أدولف هتلر وإيفا براون، كما أنه احتضن لقاءات حكومية مهمة خلال مرحلة النازية. في هذا المقال سنأخذكم في رحلة ممتعة للتعرف على عش النسر.

موقع عش النسر

يقع عش النسر على مقربة من بلدة بيرشتسجادن، وهي إحدى أجمل بلدات جبال الألب في جنوب ولاية بافاريا، وقد تم بناؤه على قمة جبل Kehlstein كيلنستاين، والذي يصل ارتفاعه إلى 1834 مترا، مما يتيح للمقيمين فيه الاستمتاع بالإطلالات البانوراميا الساحرة على المناظر الطبيعية الخلابة بما فيها الجبال الشاهقة والوديان والسفوح الممتدة حتى النمسا.

فكرة تشييد عش النسر

كان ماترن بورمن واحدا من أبرز الشخصيات النازية، وقد عمل في منصب رئيس هيئة الأركان لنائب الفوههر رودلف هيس، حيث كان يقوم بمهام تنظيم وتنسيق أنشطة الحزب النازي منذ عام 1933 وحتى عام 1938، ونظرا للمكانة التي كان يحظى بها فوهرر الرايخ الثالث أدولف هتلر في ألمانيا ولدى القادة النازيين، قرر بورمان عام 1937 بدء أشغال البناء في منزل جبلي يكون هدية خاصة لهتلر في عيد ميلاه الخمسين، والذي أطلق عليه بعد إكتماله اسم عش النسر.

الوصف العام لعش النسر

يطلق على عش النسر باللغة الألمانية Kehlsteinhaus كيلنستاين هاوس، وهو ينتمي لمنتزه بيرشتسجادن الوطني، وقد تم تصميمه على الطراز المعماري الجبلي الألماني الكلاسيكي، بحيث يكون تحفة معمارية قادرة على الصمود والشموخ وسط التضاريس الطبيعية الوعرة التي بني عليها.

عش النسر من الخارج

تم استخدام الحجر والخشب لبناء عش النسر، وقد اعتمد في الهيكل الخارجي على أحجار وأخشاب قوية منحته صلابة ضد مختلف العوامل الطبيعية المؤثرة في المباني الجبلية بما فيها الرياح والأمطار والثلوج، وتراست خارجية للجلوس.

عش النسر من الداخل

يتميز عش النسر من الداخل بكثرة الألواح الخشبية المتينة، والنوافذ الكبيرة، بالإضافة لمدافئ مصممة بشكل معقد للغاية، مما منح ديكور المنزل الداخلي جمالا مختلفا، وقد تم تزيينه بقطع من التاريخ والتراث الجيرماني الأصيلة، كما لم يتم الاسراف في الزينة والديكورات للحفاظ على بساطة التصميم، والتي جعلته يظهر بشكل أنيق وراق.

مكونات عش النسر

يتكون عش النسر من مصعد ونفق يستخدمان من أجل الوصول إليه، وقاعة رئيسية عبارة عن غرفة فسيحة تحتوي على مدفأة صنعت من الرخام الإيطالي، وهي تضم مقاعد خشبية، وطاولات من الخشب والزجاج، بالإضافة إلى مناطق مخصصة لاستقبال الضيوف وتناول الطعام، إلى جانب وجود شرفات خارجية عبارة عن تراسات للجلوس والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة لجبال الألب.

كيفية الوصول إلى عش النسر

تعد بلدة بيرشتسجادن الأقرب إلى عش النسر، إذ تفصل بينهما مسافة 6 كيلومترات، وهي بلدة سياحية توجد فيها العديد من المطاعم والفنادق ومواقف السيارات، كما أنها هي نفسها ومعها هذا المنزل الجبلي جزآن من مكونات منتزه بيرشتسجادن الوطني.

يربط بين عش النسر وبيرشتسجادن طريق جبلي عبارة عن مسار من المنحدرات الشديدة الانحدار يتم صعوده للوصول إلى سفح جبل Kehlstein، ومن هناك يجب الولوج إلى مصعد نحاسي عبر نفق مسافته 124 متر للوصول مباشرة إلى عش النسر.

تعتبر مدينة سالسبورغ النمساوية الواقعة بجبال الألب هي الأخرى من أقرب المدن الكبرى إلى عش النسر، إذ تفصل بينهما مسافة 30 كلم، ويمكن الركوب في حافلات النقل المكوكية والتوجه من سالسبورغ، انطلاقا من مركز Obersalzberg والوصول إلى أسفل منتجع بيرشتسجادن، حيث يوجد موقف سيارات تتوقف عنده الحافلات.

أما داخل ألمانيا فتعد ميونيخ عاصمة ولاية بافاريا هي أقرب مدينة إلى بيرشتسجادن، وتفصل بينهما مسافة 150 كلم، ويمكن السفر بينهما بواسطة القطار أو السيارة، إذ تستغرق الرحلة بكلا الوسيلتين قرابة الساعتين.

الدخول إلى عش النسر

يعد الدخول إلى عش النسر فور الوصول إلى بوابته مجانيا، غير أن الوصول نفسه يقتضي استخدام الحافلة والتي يتراوح سعرها بين 16 و18 يورو، كما أن السياح الراغبين في المشاركة في الجولات السياحية الشاملة للمتاحف والمعالم القريبة من هذا المنزل الجبلي سيتوجب عليهم دفع تكاليف إضافية.

أفضل وقت لزيارة عش النسر

تعد الفترة من ماي حتى أكتوبر هي الوقت المثالي لزيارة عش النسر، إذ أنه في المرحلة الممتدة بينهما يظل مفتوحا أما الزوار، فيما تغلق أبوابه من نوفمبر وحتى أبريل، ومع ذلك فأن زيارة عش النسر خلال الشتاء رغم عدم أمكانية الدخول إليه تعتبر ممتعة للغاية، لكون الجبل نفسه الذي يقع عليه المنزل، والمنطقة المحيطة به تكسى بالثلوج، وتصبح مثل لوحة سحابية في رواية كلاسيكية.

أما بالنسبة للصيف والخريف والربيع فكلها مناسبة تماما للزيارة، إذ يكون الجو معتدلا طوال الفترة الممتدة من ماي حتى أكتوبر، كما يمكن للزوار الدخول لعش النسر والقيام بجولة تفقدية له، ورؤية الأماكن التي كان يجلس فيها هيتلر وعشيقته ايفا براون وضيوفه من مشاهير النازية مثل هملر وبورمن وغوبلز مع زوجته ماجدة، وغيرهم من الشخصيات الدبلوماسية الأجنبية التي كانت تستقبل في هذا المنزل الجبلي.

يعرف الصيف توافدا كبيرا على عش النسر، مما يسبب في الازدحام الشديد، فيما تقل أعداد الزوار نسبيا خلال الربيع والخريف، أما فيما يتعلق بالوقت خلال النهار، فإن الصباح الباكر وفترة بعد الظهر يكونان مثاليان لالتقاط الصور.

تشييد عش النسر في مرحلة الرايخ الثالث

استغرق بناء عش النسر عامين، حيث بدأت أعمال البناء في 17 شتنبر عام 1937، وانتهى العمل عليه في 20 من 1939، وهو نفسه تاريخ ميلاد هيتلر، وقدم له كهدية مناسبة عيد ميلاده الخمسين، وقد كان الفوهرر يزوره مرات نادرة وفقط، وذلك بسبب الفوبيا من المرتفعات التي كن يعاني منها.

• دور عش النسر في ظل النازية

كان عش النسر مخصص لاحتضان لقاءات المسؤولين النازيين مع بعضهم لتداول في الأمور السياسية والحكومية، كما كان يستضيف الدبلوماسيين الأجانب، وقد أقامت ايفا براون في هذا المنزل الجبلي كثيرا على خلاف هيتلر، كما أن شخصيات نازية بارزة مثل مارتن بورمان وألبير شبير مهندس الرايخ المعماري، ووزير الدعاية جوزيف غوبلز مع زوجته ماجدة كانوا يزورون عش النسر كثيرا.

• استيلاء الحلفاء على عش النسر

تعرضت جبال الألب ومعها بلدة بيرشتسجادن للقصف من قبل قوات التحالف خلال الحرب العالمية الثانية، غير أن عش النسر نجا من وابل القنابل، لكنه سقط في يد الجيوش المتحالفة، وقد كانت فرقة المشات الأمريكية ومعها فرقة المدرعات الثانية الفرنسية هما من استوليا على عش النسر، وبعد سقوطه في يد الحلفاء أقام فيه جنود المظلات الذين ينتمون للفوج 506 ضمن الفرقة 101 الأمريكية الجوية، والمعروفون باسم النسور الصارخة Screaming Eagles.

• عش النسر اليوم

بعد سقوط النازية تحول عش النسر لمقر إقامة لجنود الحلفاء، والذين ظلوا فيه لمدة طويلة، وبعد تشكيل ألمانيا الجديدة أصبح عش النسر موقعا سياحيا وطنيا، وقد تم اعتباره جزء من متنزه بيرشستخادن فور تأسيس هذا الأخير، وهو اليوم عبارة عن معلم سياحي ومطعم مفتوح أمام الزوار الذين يرغبون في التعرف على مآثر الرايخ الثالث المتبقية.

إن عش النسر هو أحد أهم المعالم والمباني التي قام النازيون بتشييدها، وقد كان ينظر إليه بأنه مقر إقامة الفوهرر في جبال الألب البافارية على الدوام، وكان سيظل كمذلك لو لم تهزم ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وهو يظل شامخا ليظل يذكر بمرحلة بارزة مرت على التاريخ الألماني والعالمي.