تاريخ اسبانيا | القديم والحديث
عاشت اسبانيا مراحل تاريخية مختلفة ساهمت في تطورها وتحولها على مر العصور، إذ أنها قبل العصر الروماني وحتى وقتنا الراهن مرت عليها أنظمة حكم مختلفة انعكست على حياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. شكل الرومان والقوط هوية اسبانيا الثقافية الأولى وخاصة الدينية والقانونية، فيما ساهم المسلمون في الأندلس في تطور البلاد من الناحية العلمية والحضارية والمعمارية، في حين لعبت المملكة المسيحية الموحدة في تشكيل حاضر اسبانيا بشكل كبير. في هذا المقال سنتعرف على تاريخ اسبانيا بالتفصيل منذ عصور ما قبل العهد الروماني وحتى القرن العشرين. فهيا نستمتع معا بهذه الرحلة التاريخية الثقافية.
اسبانيا قبل العصر الروماني
عندما نتحدث عن اسبانيا قبل الرومان فإننا نتناول بشكل محدد شبه الجزيرة الايبيرية والقبائل التي كانت تعيش فيها. فقد احتضنت هذه المنطقة خلال تلك المرحلة من التاريخ قبائل وأنماط ثقافية متعددة أبرزهم الأيبيريون وهم أقدم سكانها، وكانوا يعيشون في قلاع التلال والبلدات الجبلية في السواحل الشرقية والجنوبية والتي عرفت فيما بعد بكاتالونيا والأندلس.
عرف الايبيريون باعتماد الزراعة والصيد والتجارة كنمط عيش، كما اشتهروا بإتقانهم لصناعة الأسلحة والأدوات المعدنية. شكل كذلك السلتيون القادمون من أوروبا الوسطى جزءا لا يتجزا من المجتمع شبه الجزيرة، وقد عاشوا في كل من غاليسيا وكاستيلا، وكانوا بارعين في الزراعة وتربية المواشي والتجارة. علاوة عن هؤلاء وصل الفينيقيون كذلك للسواحل الأيبيرية واستقرا فيها خصوصا في قادش ومالقا، وقد أتقنوا التجارة وصناعة السفن. وأخيرا نجد الإغريق الذين اتخذوا من مناطق الساحل الشرقي مثل أمبورتا وإمبريزا موطنا لهم، وأبدعوا في الهندسة المعمارية والأدب والفلسفة.
في القرن السادس قبل الميلاد سيطر القرطاجيون وهم قوة بحرية عظمى في تلك العصور الغابرة على شبه الجزيرة الأيبيرية وضموها لإمبراطوريتهم خاصة المناطق الجنوبية منها، وهو ما أثر لاحقا على الحياة الاجتماعية والثقافية في البلاد خاصة على المستوى الديني والسياسي والثقافي.
تعتبر المدن المحصنة والمستوطنات الساحلية وأثار الفخار والمجوهرات والنقوش التي تم العثور عليها في مختلف مناطق شبه الجزيرة أبرز المعالم التي ظلت شاهدة على سكانها الذين عاشوا فيها قبل العصر الروماني.
اسبانيا خلال العصر الروماني
تعرضت شبه الجزيرة الإيبيرية للغزو من قبل الرومان في عام 218 قبل الميلاد، أثناء ما يطلق عليه الحرب البونيقية الثانية، واستمرت الحروب لعقود طويلة حتى سقطت شبه الجزيرة ككل تحت الحكم الروماني، وأصبح اسمها هيسبانيا.
عرفت هيسبانيا عصرا جديدا تحت حكم الإمبراطورية الرومانية، وهو ما أدى إلى تحولات اجتماعية وثقافية عميقة ساهمت بشكل كبير في تكوين الهوية المستقبلية لإسبانيا. أسس الرومان بنية مؤسساتية جديدة في هيسبانيا على شاكلة النظام الإداري في روما، إذ قسمت البلاد لمقاطعتين إحداهماهيسبانيا تراركيا وشملت جميع مناطق الجزء الجنوبي، والأخرى سميت هيسبانيا تاراكونينسيس وضمت جميع مناطق السمال والشرق، وكان يتم يشرف على تسيير هاتين المقاطعتين حكام رومانيون.
على المستوى الثقافي، أصبحت اللغة اللاتينية هي المستعملة في جميع أنحاء شبه الجزيرة، وهي ما أدت لتطور وظهور اللغة الاسبانية الحالية. كما أصبحت العادات والتقاليد والطقوس الدينية الرومانية ممارسة يومية في الحياة العامة، بما فيها الاحتفالات بالأعياد والمناسبات والمهرجانات والألعاب الرومانية.
على المستوى الاجتماعي، أصبح سكان شبه الجزيرة الايبيرية مواطنين رومانيون ينتمون لمقاطعتي هيسبانيا ينطبق عليهم قانون الروماني، وهو ما قوى روابط الوحدة والاعتزاز بالانتماء لأقاليم الإمبراطورية.
على مستوى البنية التحية، أدخل الرومان نماذجهم الهندسية والمعمارية على جميع مناطق هيسبانيا، فصارت القنوات المائية والطرق المرصفة بالحصى والمدرجات والمعابد الرومانية تطغى على البنية العامة لشكل المدن والقرى في شبه الجزيرة. وتعتبر المدينة الرومانية في تاراجونا، ومدينة ميريدا، والقناة المائية في سيغوفيا أبرز المعالم التي لا تزال شاهدة على إرث الرومان في اسبانيا.
اسبانيا خلال عصر القوط
تعتبر فترة حكم القوطيين لإسبانيا مرحلة انتقالية هامة من العصر الروماني للعصر الإسلامي. حيث عرفت المناطق الجنوبية في شبه الجزيرة الايبيرية والتي خضعت لحكم القوط منذ عام 470 للميلاد، وهي السنة التي أسست فيها مدينة طليطلة عاصمة مملكتهم تحولات كبيرة على المستوى الاجتماعي والثقافي أهمها تحول سكان المملكة لاعتناق الدين المسيحي.
ينحدر القوط من مجموعة من القبائل الجرمانية الشمالية التي غزت الأراضي الرومانية بما فيها العاصمة روما في الحدث التاريخي الشهير سلب روما عام 410م. استقر القوط الغربيون في غاليا (فرنسا الحالية)، ومنطقة الجنوب الغربي لشسبه الجزيرة الايبيرية حيث تمت أقاموا مملكتهم الخاصة.
احتفظ القوط بالنظام الإداري الروماني في مملكتهم الجديدة خاصة فيما يتعلق بالقوانين والجيش، مع إدخال بعض التغييرات في القانون، وهو ما ينتج عنه القانون القوطي، والذي سيؤثر فيما بعدعلى تطور أنظمة القانون في اسبانيا. قد شيد القوط الشوارع والماني والعديد من الكنائس والكتدرائيات على الطراز القوطي، وهو مزيج بين الهندسة المعمارية الرومانية واللمسات الفنية الجرمانية البسيطة.
على المستوى الديني تبنت مملكة القوط في البداية المسيحية الأريوسية، وهي مذهب ديني ينفي مبدأ الثالوث المقدس، لكنها تحولت لاعتناق الكاثوليكية عام 589م، بعدما تبناها الملك ريكاريدو فصارت المملكة ككل تمارس المسيحية الأرثوذكسية.
تاريخ اسبانيا خلال العصور الإسلامية
تعتبر مرحلة العصور الإسلامية في اسبانيا والتي استمرت قرابة ثمانية قرون واحدة من أزهى مراحلها التاريخية على الإطلاق، إذ شهدت الأندلس وهي المناطق التي كانت تحت الحكم الإسلامي في اسبانيا تطورا مذهلا في العلوم والفنون والبنية التحية والمعمار والمجتمع الذي كان يعيش انسجاما وتعايشا ثقافيا بين المسلمين والمسيحيين واليهود، حتى أصبحت دولة الأندلس منارة تضيء أوروبا خلال العصور الوسطى.
دخل المسلمون إلى اسبانيا عام 711 م بعد انتصارهم في معركة وادي بيربات الشهيرة، حيث هزم الملك القوطي رودريغو (لوذريق) على يد القائد العسكري المسلم طارق بن زياد، والذي عبر بجيش المسلمين المكون من مقاتلين مغاربة عبر مضيق جبل طارق الذي سمي باسمه بعد هذا الحدث التاريخي. هذه الهزيمة أدت لسقوط مملكة القوط الغربية.
كانت شبه الجزيرة الأيبيرية تابعة للخلافة الأموية في الشرق والتي كانت عاصمتها دمشق، وبعد سقوط الأمويين على يد العباسيين وتعرضهم لمذابح شهيرة، نجح عبد الرحمان بن معاوية المعروف بعبد الرحمان الداخل في الهرب والوصول إلى الأندلس وهناك أسس إمارة مستقلة هي دولة الأندلس عاصمتها قرطبة، ومنذ تلك اللحظة بدأ عصر جديد في اسبانيا.
بلغت دولة الأندلس أقصى مراحل ازدهارها مع عبد الرحمان الثالث (الناصر)، والذي أعلن نفسه خليفة عام 925م، ثم مع الحاجب المنصور بن أبي عامر والذي كان سببا في وصول الأندلس لأزهى مراحلها على الإطلاق، وفي نفس الوقت كان هو السبب الرئيسي في بداية سقوط الأندلس.
تطورت العاصمة قرطبة بشكل مذهل ومثير حيث تجاوز عدد سكانها نصف مليون نسمة، ما جعل تصبح أكبر مدينة في أوروبا في تلك الحقبة التاريخية. واحتوت عاصمة الأندلس على مكتبات ضخمة شملت كتب فلسفية ودينية وطبية وأدبية، بل وحتى كتب في الموسيقى. علاوة على الترجمة التي كانت تنجز فيها وفي طليطلة. كما ضمت مراكز بحثية فيها آلاف المخطوطات. علاوة على كل هذا تحولت قرطبة لمركز للدراسة والعلم إذ كان يدرس فيها الطلبة من سكان الأندلس، والطلبة الوافدون من دول أوروبا بما فيهم البعثات الخاصة التي كانت ترسل من المملكات الأوربية المختلفة لتلقي العلم في أمارة المسلمين بالأندلس.
أصبحت الأندلس خلال مرحلة العصور الإسلامية في اسبانيا مركزا حضاريا مزدهرا وصل التقدم العلمي والثقافي والفني والأدبي فيها ذروة ناطحت عنان السماء، ما شكل مرحلة قوية من الفكر والعلم ساهمت بشكل كبير في تطور أوروبا ككل لما هي عليه في الوقت الراهن. إذ سهام علماء ومفكرون وفلاسفة مثل ابن رشد وعباس بن فرناس وابن حزم في تقدم الطب والفلك والرياضيات والفلسفة والجغرافيا.
غير المسلمون شكل البنية التحية في الأندلس بشكل تام، إذ اعتمدوا على الهندسة المعمارية الإسلامية في بناء القصور والمساجد والحدائق، وشيدوا قلاعا ومعالم تاريخية غاية في الاتقان والروعة. بنى المسلمون شوارع وأزقة مرصفة بشكل متطور في ذلك الوقت مع إضاءتها ليلا، كما طوروا القنوات المائية ومجاري المياه، وظهرت إبداعاتهم على مستوى اللباس والزينة والحياة العامة.
بعد سقوط السلطة المركزية في قرطبة بسبب المنصور بن أبي عامر وولده عبد الملك دخلت الأندلس مرحلة ملوك الطوائف وهي أمارات متعددة تستقل كل واحدة بحكمها. سقط ملوك الطوائف واحدا تلو الآخر، وتبعت الأندلس للمرابطين والموحدين في المغرب تواليا، ثم انتهى العصر الإسلامي في اسبانيا بعد سقوط مملكة غرناطة التابعة لبني الأحمر هخلال حروب الردة سنة 1492 م على يد الملكين إيزابيلا وفيرديناند.
أشهر المعالم الإسلامية في اسبانيا
قصر الحمراء في غرناطة
يقع قصر الحمراء في غرناطة، وقد بناه مؤسسة دولة بني الأحمر في غرناطة المؤيد بالله محمد الأول. يتكون من قصر وحصن دفاعي عبارة عن مجمع ومجموعة حدائق، تم تصميمه على الطراز المعماري الإسلامي المتقن يتجلى في الأقواس المتعددة والزخارف والنقوش الكتابية والفسيفساء. يحتوي على مجموعة من القاعات الفريدة التصميم أهمها القاعة الحمراء وقاعة العرش وقاعة السباع.
المسجد الكبير في قرطبة
يعتبر المسجد الكبير (الجامع الكبير) في قرطبة واحد من أعظم المعالم الإسلامية في اسبانيا. تم بناؤه سنة 710هـ من قبل عبد الرحمان الداخل، ويمتاز بتصميمه المعماري المذهل المتمثل في أعمدته الرخامية الضخمة، وقبابه ذات القوسين، وحرابه المزخرف بالذهب والنقوش. تم تحويله بعد حروب الاسترداد إلى كتدرائية قرطبة.
برج جيرالدا في إشبيلية
يعد برج جيرالدا في اشبيلية واحد من أطول الأبراج في اسبانيا، وأشهر المعالم الإسلامية بالمدينة التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا. كان في الأصل عبارة عن مئذنة مسجد بناه أبو يوسف يعقوب الموحدي عام 1184 م. يبلغ ارتفاعه 97 مترا، وقد تم تصميمه على شكل مئذنة متعددة الطوابق مع أقواس وزخارف رائعة.
الجامع الكبير في مالقة
يعتبر المسجد الكبير في مالقة واحد من أكبر المساجد في اسبانيا وأوروبا ككل، وأحد أهم المعالم الإسلامية المتبقية من حضارة الأندلس. تم بناؤه خلال القرن الحادي عشر ميلادي، وهو من المساجد التي تحولت إلى كاتدرائيات بعد حروب الاسترداد.
مدينة الزهراء
كانت مدينة الزهراء مقر الحكم في دولة الأندلس، وهي واحدة من أشهر وأعظم المآثر الإسلامية في اسبانيا خلال مرحلة الأندلس. بناها عبد الرحمان الناصر، واحتوت على مجموعة من القصور والمرافق العامة والحدائق والحمامات، تم تدميرها بعد سقوط الخلافة الأموية بالأندلس، وتم إعادة اكتشافها سنة 1911.
تاريخ اسبانيا خلال مرحلة حروب الاسترداد
ورغم أن اسبانيا كانت حلبة صراع بين المماليك المسيحية الشمالية والمماليك الإسلامية في الأندلس خلال مرحلة حروب الاسترداد، إلا أنها هذه الأخيرة شكلت نقطة تحول كبير في تاريخ اسبانيا بشكل خاص وشبه الجزيرة الإيبيرية بشكل عام.
منذ دخول المسلمين إلى اسبانيا وتأسيس إمارة الأندلس في جنوب البلاد ظلت المواجهات العسكرية بينهم وبين ممالك الشمال المسيحية خاصة مملكتي قشتالة وأراغون قائمة، لكنها لم تكن حروبا كبرى بل مجرد غزوات ومعارك صغيرة حدودية تنتهي بانتصارات تكتيكية لكل طرف بين الحين والآخر. غير أن البداية الحقيقية لحروب الاسترداد كانت بعد توحيد مملكتي قشتالة وليون على يد ألفونسو السادس، مباشرة بعد ذلك حاصر توليدو (طليلطة) سنة 1084م، ثم سقطت تحت حكمه سنة 1085. ومن هنا بدأت مرحلة سقوط الأندلس.
دخلت الممالك المسيحية الشمالية بعد سقوط طليطلة في حروب مباشرة مع المسلمين في الأندلس، والذين كانوا تحت حكم ملوك الطوائف. فدارت معارك كبرى أهمها معركة لوس ألتوس عام 1086 انتهت بانتصار كبير للجيوش الإسلامية. ثم حدثت معركة الزلاقة الشهيرة سنة 1086 والتي شاركت فيها جيوش المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين لدعم المعتمد بن عباد وانتهت بهزيمة ساحقة لجيوش الممالك المسيحية الشمالية، وحافظت على تواجد المسلمين لمرحلة مطولة باسبانيا.
عرفت حروب الاسترداد منعطفا جديدا في معركة لاس نافاس دي تولوسا في عام 1212، والتي تعد نقط تحول مفصلية في الحرب، حيث حقق تحالف ممالك الشمال قتشالة ونافارا وأراغون انتصارا مدويا على جيش المسلمين بقيادة المرابطين ما أدى لسقوط مناطق عديدة تحت الحكم المسيحي بما فيها فالنسيا واشبيلية.
بلغت حروب الاسترداد ذروتها ونهايتها مع تولي كل من الملك فيرديناند حكم أراغون والملكة ايزابيلا حكم قشتالة، حيث تمكنا تحالفهما من الاستلاء على أخر مملكة للمسلمين بالأندلس وهي مملكة غرناطة. ليتم إسقاط أخر معقل للمسلمين في اسبانيا سنة 1492م، وبذلك تنتهي مرحلة العصور الإسلامي وتتحد الممالك الكاثوليكية في مملكة واحدة هي مملكة اسبانيا. وبعد سقوط غرناطة ظهرت محاكم التفتيش وتم طرد المسلمين واليهود من اسبانيا، وتحولت اسبانيا في ظل المملكة الجديدة إلى قوة استعمارية بحرية كبرى قامت بغزو أمريكا.
تاريخ اسبانيا خلال العصر الاستعماري
أدى سقوط الأندلس في عام 1492 إلى توحيد اسبانيا تحت حكم ايزابيلا الأولى وفرديناند الثاني، فبدأت بذلك مرحلة جديدة من تاريخ البلاد عرفت بمرحلة المملكة المسيحية الموحدة، دشنها الملكان بإطلاق حملة كريستوفر كولومبوس الاستكشافية للعالم الجديد (القارة الأمريكية)، وهنا تحولت اسبانيا إلى امبراطورية استعمارية خارجية توسعت بشكل كبير في القرون اللاحقة.
سيطر الاسبان خلال مرحلة العصر الاستعماري على مناطق عديدة في أمريكا الوسطى والجنوبية وأجزاء كثيرة في أمريكا الشمالية، فأسسوا مستعمرات وموانئ على طول سواحل القارة الأمريكية مكنتهم من الاستفادة الموارد الطبيعية لشعوب القارة ونقلها إلى اسبانيا، كما تمكنوا بفضل هذا الاحتلال من القضاء على الوساطة التجارية العربية في البحر الأبيض المتوسط. وتم اعتماد نشر تعاليم المسيحية الكاثوليكية كشعار لاستراتيجية الاستعمار الاسباني في المناطق التي تم احتلالها، الذي كانت الحملات والبعثتات الدينية أبرز أسسه.
أدى الافراط في الإنفاق الحربي طوال القرنين السابع والثامن عشر للحفاظ على القوة والهيمنة العسكرية الاسبانية إلى استنزاف خزائن الدولة واضعاف اقتصادها، خاصة في حرب الثلاثين عاما ضد فرنسا وانجلترا. كما أن اعتماد الحكومة الاسبانية على موارد العالم الجديد من ذهب وفضة على حساب الصناعة المحلية والاستثمار في قطاعات أخرى كالزراعة والصناعة ساهم في جعل الوضع العام في اسبانيا يتدهور. كل هذا سبب في ظهور مشاكل داخلية كبرى أهمها الفقر والمجاعة والتفاوت الاجتماعي الحد بين النبلاء والطبقات الاجتماعية الفقيرة.
في ذات الوقت كانت إنجلترا وفرنسا تشهدان تطورا كبيرا من ناحية الصناعة والزراعة والقوة العسكرية، وهو ما أدى إلى تقلص قوة ونفوذ اسبانيا، إذ فقدت مستعمرات عدة لحسابهما أبرزهما سقوط جبل طارق تحت هيمنة إنجلترا حتى يومنا هذا.
ومع توالي النكسات والهزائم أصبحت مسألة سقوط ونهاية الإمبراطورية الاستعمارية الاسبانية مسألة وقت وفقط، وهو ما حدث بالفعل بعد هزيمة اسبانيا أمام الولايات المتحدة في الحرب الاسبانية الأمريكية عام 1898، وهو ما أدى لفقدان أخر مستعمراتها في كوبا وبورتو ريكو والفليبين، وتنتهي مرحلة من السيطرة ظلت لقرون.
اسبانيا في القرن العشرين
شهدت اسبانيا في القرن العشرين تحولات داخلية كبيرة أثرت عليها في جميع المستويات، بما فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كما كان للحرب العالمية الثانية ونهاية عهد الاستعمار أثر بالغ على اسبانيا في الخارج.
تعتبر الحرب الأهلية الاسبانية التي امتدت من سنة 1936 حتى 1969 نقطة تحول كبيرة في تاريخ اسبانيا الحديث. أدت الانقسامات السياسية والصراع بين الجمهوريين والقوميين بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو إلى اندلاعها. انتصر القوميون بعد ثلاث سنوات من الحرب الدامية التي أدت للآلاف من القتلى والجرحى، وتم فرض نزام خكم استبدادي بقيادة فرانكو.
أسس وفرض الجنرال فرانكو حكما ديكتاتوريا استبداديا على اسبانيا استمر منذ نهاية الحرب الأهلية سنة 1969 وحتى لحظة موته عام 1975. تميزت مرحلة حكم فراتنكو بالقمع التام لقوى المعارضة، وقمع الحريات، وفرض نظام الرقابة على الإعلام وكل ما يتعلق بالثقافة. شجع فرانكو القيم المسيحية وحول الكنيسة الكاثوليكية لرمز قومي، وعلها تلعب أدوارا محورية في الحياة الاجتماعية والسياسية للبلاد. ورغم ذلك فقد عمل فرانكو على النهوض اقتصاديا بالدولة خلال الستينيات من القرن العشرين، حيث شهدت اسبانيا نموا ملحوظا.
بدأت اسبانيا بعد موت الجنرال فرانكو تتحول نحو الديمقراطية لكن بشكل صعب، ولم يتم اعتماد دستور جديد للبلاد إلا سنة 1978، وبعده تم اعتماد الملكية الدستورية كنظام حكم في اسبانيا، وهو ما نتج عنه تأسيس وإقامة المؤسسات الديمقراطية وأهمها البرلمان المنتخب.
إن تاريخ اسبانيا لهو تاريخ غني بالتحولات السياسية والثقافية والاجتماعية. بدأ هذا التاريخ المذهل مع القبائل القديمة، وتطور خلال العصر الروماني وعهد القوط، وبلغ أوجه خلال مرحلة حكم المسلمين للأندلس، وصل ذروة ازدهاره في عصر مملكة اسبانيا الموحدة خلال العصر الاستعماري، وانتهى لتشكل اسبانيا الحالية مع التغيرات التي عرفتها خلال القرن العشرين.