بوابة براندنبورغ في برلين
تعتبر بوابة براندنبورغ Brandenburger Tor واحدة من أبرز المعالم التاريخية والسياحية في برلين، وهي بمثابة أعظم رمز للوحدة الألمانية. عاشت هذه البوابة أحداث وتحولات تاريخية كبيرة أثرت على الشعب والدولة في ألمانيا، وظلت صامدة لعقود طويلة أمام الحروب والغزوات. تمتاز بتصميمها المعماري الفريد، وإرثها التاريخي الطويل. في هذا المقال سنتعرف عن قرب على تاريخ بوابة براندنبورغ العريق، وبراعة هندستها، ورمزيتها الراسخة لدى الأمة الألمانية.
نظرة عامة حول البوابة وموقعها
تعد بوابة براندنبورغ Brandenburger Tor في برلين إحدى أهم المعالم السياحية، وأشهر المآثر الكلاسيكية في ألمانيا، فهي نصب تذكاري شهير ذو رمزية ثقافية وسياسية وتاريخية، تتواجد هذه التحفة المذهلة في الجانب الغربي من شارع أونتر دن ليندن (شارع برلين الكبير) بالعاصمة برلين. تبعد مسافة ضئيلة جدا عن مبنى الرايخستاغ حيث يتواجد البرلمان الألماني، وتوجد قبالتها حديقة تيرجارتن العامة. ساهم موقع بوابة براندنبورغ الاستراتيجي بالإضافة لمكانتها وأمهيتها التاريخية في جعلها نقطة محورية وثقافية لألمانيا بشكل عام وبرلين بشكل خاص، كما أن هذه البوابة استعملت كمكان للاحتفاء بالأحداث والتجمعات الكبرى.
قصة وتاريخ بناء بوابة براندنبورغ
صممت بوابة بوابة براندنبورغ Brandenburger Tor التاريخية من قبل المهندس المعماري كارل جوتهارد لانغهانز، تنفيذا لرغبة الملك فريدريك ويليام الثاني ملك بروسيا، والذي قرر إنشائها مدخل جديد وكبير لبرلين يعكس أهميتها. تم بناؤها في الفترة الممتدة من 1788 و1791، وقد اعتمد على الطراز الكلاسيكي المستوحى من البروبيلايا في أثينا في هندستها المعمارية، وذلك من أجل استحضار مجد اليونان القديمة وتجسيده في البوابة.
على الرغم من أن الهدف الأصلي للبوابة كان الرمزية للسلام، إلا أنها تطورت مع السنوات فأصبحت موقعا يحتضن الأحداث والمراسم الملكية، كما صارت تنظم فيها المواكب الاحتفالات والتجمعات الكبرى. ومع توالي السنين، تغيرت أدوار ورمزية البوابة خاصة أن أوروبا دخلت في قرون من الاضطرابات كان لألمانيا نصيب كبير منها. فأثناء غزو نابليون عام 1806 نزع تمثال كوادريجا وهو عبارة عن عربة تقودها إلهة النصر امن أعلى البوابة وأخذه إلى باريس كغنيمة، غير أنه أعيد لبرلين بعد هزيمة نابليون، لتصبح البوابة رمزا لصمود الشعب البروسي أثناء الحرب.
وصف بوابة براندنبورغ
اعتمد مصمم وبناؤو بوابة براندنبورغ Brandenburger Tor التي تعتبر من أبرز معالم برلين الشهيرة على الطراز المعماري المستوحى من اليونان القديمة، حيث أنها تتكون من أعمدة دورية قوية، علاوة على شكلها المستطيلي الضخم وهما ما جعلها تظهر متصفة بالقوة والديمومة. من جهة أخرى، فإن تمثال كوادريجا الموجود أعلى البوابة أضفى عليها طابع الحركة والتقدم والنصر. فيما لعبت أسطحها الحجرية الجيرية وخطوطها النظيفة على منحها صفة العظمة والجمال الكلاسيكي.
عمر بوابة براندنبورغ وبنيتها
يتجاوز عمر بوابة براندنبورغ Brandenburger Tor 230 عاما، وقد مرت عليها تغيرات سياسية كثيرة وحروب واحتلالات شهدتها ألمانيا، وكانت برلين ساحة لها، غير أن بوابة براندنبورغ صمدت أمام كل هذا وتظل قائمة حتى أصبحت البوابة وحيدة المتبقية في برلين على عكس نظيراتها الاتي إما تدمرن أو تفككن. تتكون من 12 عمودا ن 12 عمودا دوريا مرتبة في صفين، يحتوي كل صف على ستة أعمدة مشكلة خمسة ممرات، خصص الممر المركزي من بينها تاريخيا للملوك. يبلغ ارتفاع البوابة 26 مترا، فيما يصل عرضها إلى 65.5 مترا، أما عمقها فهو 11 مترا.
أبواب بوابة براندنبورغ
تحتوي بوابة براندنبورغ Brandenburger Tor على خمسة أبواب، يشار إليها بأبواب بوابة براندنبورغ أو الأعمدة (Pillars)، وهي تمثل مداخل البوابة، إذ حيث يتكون كل باب من عمودين ضخمين يتوسطهما ممر ضيق. تمثل الأبواب الجهات الأربعة (الشرق، الغرب، الشمال، والجنوب)، وهي جزء من التصميم المعماري الذي يعكس أن البوابة هي رمز للوحدة.
رمزية البوابة وتمثال كوادريجا وأهميتها الثقافية
خلال الحرب الباردة وأثناء تقسيم برلين لشرقية وغربية مثلت بوابة براندنبورغ Brandenburger Tor رمز إعادة توحيد ألمانيا، فهي كانت واقفة تماما عند خط التقسيم الذي يفصل الدولتين في العاصمة الألمانية. عادت البوابة من جديد بعد سقوط جدار برلين في عام 1989، لتصبح مرة أخرى رمزا لإعادة التوحيد وبداية عصر جديد من الوحدة لألمانيا، وهو ما يظهر التاريخ الثقافي لبوابة براندنبورغ. يعتبر تمثال كوادريجا الذي تمت إضافته للبوابة في الأعلى عام 1793، وهو يجسد إلهة النصر وهي تقود عربة تجرها أربعة خيول أشهر مكوناتها وأكثرها رمزية. ففي البداية، رمزت الكوادريجا إلى السلام والانتصار، غير أنها معانيها الرمزية تحولت من خلال التغيرات جراء سياقات تاريخية مختلفة، فمثلا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى صعود النازية صارت البوابة نصبا تذكاريا للجنود المجهولين الذين لقوا حتفهم خلال الحرب السابقة. كل هذا يؤكد على رمزية بوابة براندنبورغ في ألمانيا المستمرة منذ بنائها وحتى عصرنا الحالي.
بوابة براندنبورغ في الليل
إن منظر بوابة براندنبورغ Brandenburger Tor خلال النهار هو نموذج للعظمة والقوة والجمال، لكنها في الليلي تصبح تحفة سحرية لا مثيل لها. تلعب الإضاءة الموضوعة فيها بعناية على إبراز تفاصيلها المعمارية. فيما تساهم الأضواء الكاشفة المسلطة على الأعمدة وتمثال كوادريجا في أن يصبح المنظر العام للبوابة مثل بريقً ذهبي يتناقض بشكل جميل مع سماء الليل الساحرة. إن الإضاءة الليلية للبوابة تجعلها تظهر بشكل مهيب يتجسد من خلال أجواء العظمة والهدوء التي تحيط بها. غير أن البوابة خلال الاحتفالات والمناسبات الخاصة يتم إضاءتها ليلا باستخدام الأضواء الملونة ما يجعلها تظهر كأنها لوحة قماشية تجسد الحدث أو موضوع الاحتفال بشكل رائع.
إرث بوابة براندنبورغ
كانت ولا تزال بوابة براندنبورغ Brandenburger Tor واحدة من أكثر المعالم التي تحظى بالتقدير الكبير في ألمانيا، إذ أن الألمان وحتى يومنا هذا مستمرون في عقد احتفالاتهم وتجمعاتهم الكبرى عند البوابة، كما أنها باعتبارها رمزا للسلام تظل حاضرة لتذكير الأمة بقدرتها على مواجهة أي نوع من الصعوبات والكوارث والأزمات، علاوة على أنها تبقى لدى جميع سكان برلين رمزهم الأول للصمود والاستمرار.
إن بوابة بوابة براندنبورغ ليست مجرد تحفة معمارية فحسب تزين العاصمة برلين، بل هي رمز راسخ عن الوحدة والصمود لدى جميع الأجيال في ألمانيا. تمتد قصتها وتاريخها من العصر الكلاسيكي حتى أيامنا هذه، وتظل دائما تعرض نفسها كمعلمة سياحية تستحق الزيارة.