صورة للمدينة المحرمة في بكين تظهر القصر الإمبراطوري الكبير، مع أسطحه الذهبية والمعمار التقليدي الذي يعكس جمال الهندسة الصينية القديمة.

المدينة المحرمة في بكين جوهرة الإمبراطورية الصينية

تعد المدينة المحرمة واحدة من أعرق وأبرز وأهم المعالم التاريخية والسياحية في الصين، فهي مقر حكم الامبراطور ومكان عيشه على مدار 500 عام خلال فترة حكم آخر سلالتين مرتا على تاريخ الصين الامبراطوري، وقد بنيت في الأساس لتكون مثالا على عظمة الامبراطور وقوته وسطوته، مما جعلها تمتاز بالهندسة المعمارية الفائقة الروعة والإتقان. في هذا المقال سنقدم لكم دليلا شاملا حول المدينة المحرمة في بكين بالصين.

الوصف العام للمدينة المحرمة

تقع المدينة المحرمة وسط عاصمة الصين بكين في منطقة دونغتشنغ، وهي واحدة من أبرز المعالم السياحية في البلاد، وقد كانت هي القصر الامبراطوري الذي أقام فيه الامبراطور مع عائلته وحاشيته خلال مرحلة حكم كل من سلالة مينغ وتشينغ.

تمتد المدينة المحرمة على مساحة تصل إلى 720 ألف متر مربع، وهي تحتوي في الوقت الراهن على 980 مبنى ظلا قائما وصامدا، وقد كانت تمثل مجتمع صغيرا في مدينة صغيرة يضم مساكن ومخازن وممرات وحدائق وقاعات متعددة كل واحدة مخصصة لمهمة خاصة، وقد تم إدراجها ضمن مواقع التراث العالمي لليونيسكو عام 1987م.

صممت المدينة المحرمة ببراعة وإتقان هندسي يعكس قوة الإبداع المعماري الصيني، وقد أحيط القصر الداخلي حيث كان يقيم الامبراطور نفسه في المدينة بخندق عميق وجدران ذات علو مرتفع للغاية، كما أن الألوان التي طليت بها الجدران استخدمت للدلالة على الملكية، إذ رمز اللون الأحمر بمستوياتها كلها بما فيها الأرجواني والقرمزي إلى ازدهار الإمبراطورية وقوتها، مما يهدف إلى تذكير الأجيال والزوار الخارجين بسطوة وعظمة كل الاباطرة الذين عاشوا داخل هذه المدينة.

لمحة تاريخية للمدينة المحرمة

صورة تاريخية للمدينة المحرمة في بكين تظهر المباني الإمبراطورية الرائعة والهندسة المعمارية التقليدية التي تبرز مكانتها كقلب الإمبراطورية الصينية.

بنيت المدينة المحرمة في عهد سلاسة مينغ بأمر من الامبراطور يونغلي، والذي بدأ أعمال تشييدها عام 1406م، واستمر العمل فيها من أجل بناء قصر امبراطوري مبهر ولا مثيل له طوال 14 عاما كاملا، إذ تم الانتهاء من البناء عام 1420م، فأقام فيها الامبراطور مع عائلته وحاشيته من المحظيات والخصيان والمقربين منه والخدم، ومنذ ذلك الحين وحتى مطلع قرن العشرين، منع على أي كان جنودا أو وزراء أو العامة الدخول لها إلا بعد الحصول على تصريح امبراطوري.

ظلت المدينة المحرمة هي مقر القصر الامبراطوري طوال مرحلة حكم سلالة مينغ، ولعبت نفس الدور واستمرت بنفس المكانة والهيبة خلال حكم سلالة تشينغ، فكانت تقام فيه مراسيم التتويج الامبراطوري، عندما يتولى امبراطور جديد الحكم، كما أنها احتضنت العديد من الفعاليات والأحداث الكبرى أبرزها الاحتفالات الإمبراطورية عقب الانتصارات في الحروب، واحتفالات العائلات الحاكمة بالمناسبات الصينية التقليدية كرأس السنة الصينية، بالإضافة لكونها استضافت العديد من الفعاليات الثقافية التي كانت تقام تحت اشراف الامبراطور، والاجتماعات العسكرية الكبرى، مما جعلها شاهدا حيا على تاريخ وتراث الصين.

أصل وسبب التسمية

تسمى المدينة المحرمة كذلك بالمدينة القرمزية، وقد ارتبط اللونان القرمزي والأرجواني بصفة المدينة حيث أنهما يرمزان إلى الملوك، وقد كانا هما اللونان اللذان يتزين بهما القصر الامبراطوري الذي يكون هو نفسه المدينة المحرمة.

يستخدم الصينيون جملة Zijin Cheng كاسم للمدينة المحرمة باللغة الصينية، وتعني سكن الامبراطور السماوي، حيث يشير لفظ Zi إلى اللون الأرجواني المرتبط بالملوك، الذي يقودنا لمعنى أعمق وهو نجم الشمال، والذي يقصد به في الثقافة الصينية الامبراطور السماوي المتحد مع آلهة السماء.
أما لفظ jin فيشير إلى المكان المحرم أو حرمة مكان ما، فيما يشير اللفظ cheng إلى الأسوار المحيطة بالمكان، مما يقودنا إلى نتيجة واحدة وهي المكان المحرم المحاط بالأسوار الذي يسكن فيه نجم الشمال الارجواني والمقصود به الامبراطور السماوي.

سميت المدينة المحرمة بهذا الاسم لكونها مكانا يحرم على أي كان الدخول إليه دون إذن وتصريح خاص من الامبراطور، إذ أن القصر الامبراطوري الذي تمثله المدينة المحرمة كانت تقطن به العائلة الإمبراطورية بما فيها الامبراطور وأسرته وحاشيته الخاصة والمحظيات والخصيان، وقد كانت عقوبة من يتجرأ على دخول المدينة المحرمة دون تصريح امبراطوري هي الإعدام، والذي كان يطبق مباشرة وعلى الفور في حق مرتكب هذه الجريمة التي لا تغتفر خلال العصور الإمبراطورية.

أفضل وقت لزيارة المدينة المحرمة

يعتبر فصل الربيع والخريف هو الأنسب للقيام بزيارة إلى بكين بشكل عام، حيث يكون الجو مثاليا للقيام بالتنزه في شوارعها، ومناسبا تماما للتجول وزيارة المعالم التاريخية بما فيها المدينة المحرمة، ويعد شهرا أبريل وماي في الربيع، وشهرا شتنبر وأكتوبر أفضل وقت لزيارة متحف القصر، حيث أن تواجد السياح في كلا الفترتين يكون أقل نسبيا مقارنة بالصيف الذي يعد ذروة الموسم السياحي في بكين، بالإضافة إلى ما سبق، فإن المدينة المحرمة مفتوحة أمام الزوار طيلة أيام الأسبوع باستثناء يوم الاثنين حيث تغلق أبوابها.

كيفية الوصول إلى المدينة المحرمة

تتميز بكين بشبكة واسعة من المواصلات المتطورة والحديث، لذا فإن الوصول إلى المدينة المحرمة يعتبر أمرا يسيرا وسهلا، إذ يمكن استخدام الخط رقم 1 في ميترو الأنفاق للوصول لإحدى محطتي تيانانمين سواء الغربية أو الشرقية، وبعد الخروج من أي واحدة منهما ستبقى أمام السياح مسافة ضئيلة يقطعونها سيرا على الأقدام.
أما بالنسبة للراغبين في الوصول إلى المدينة المحرمة فور نزولهم من الطائرة في مطار بكين الدولي أو من مطار داشينغ الدولي، فيجب عليهم بعد مغادرة المطار أن يصعدوا إلى سيارة أجرة سيجدونها أمامهم مباشرة، أو أن يقوموا بالصعود لإحدى الحافلات التي تمر عبر مسارها بالمدينة المحرمة.

روعة المكونات والمحتويات الداخلية في المدينة المحرمة

صورة تظهر التفاصيل المعمارية الداخلية المدهشة في المدينة المحرمة ببكين، مع الزخارف الملكية والتماثيل التي تبرز روعة التصميمات الإمبراطورية الصينية.

اعتنى الأباطرة الصينيون بالقصر الامبراطوري بشكل مبالغ فيه جدا، فدأبوا على ترميمه وتزينه وإدخال التحسينات المعمارية المبتكرة التي تزيد من جماله وروعته، كما أنهم كانوا يزينونه بالقطع التي تقع عليها أعينهم، مما جعله متحفا قائما بذاته حتى قبل أن تحوله السطات الصينية عام 1925 إلى متحف وطني.

  • القصر الامبراطوري

يتكون القصر الامبراطوري من بلاط داخلي تقيم فيه العائلة الحاكمة وحاشيتها مع الخدم والخصيان، وفناء خارجي هو مكان الإدارة والتسيير، والامبراطور ينتقل بين المكانين بشكل منفصل تماما، إذ أن العائلة الملكية ومن معها يظلون في البلاط الملكي بعيدين عن شؤون الدولة وتسييرها، بالمقابل الوزراء والمستشارون وقادة الجيش الذين يجتمعون مع الامبراطور في الفناء الخارجي لا يضعون أقدامهم في البلاط الداخلي إلا في حالات نادرة رفقة الامبراطور بشكل فردي.

تحولت المدينة المحرمة بعد طرد آخر امبراطور كان مقيما في القصر الامبراطوري عام 1925 إلى متحف وطني مفتوحا أمام الجمهور للزيارة، وأصبح اسمها في الوقت الراهن متحف القصر، وعندا يزور السياح القصر الامبراطوري يجدون أنفسهم أمام عظمة يصعب وصفها، فهو يحتوي الآن على أزيد من مليون قطعة تصنف جميعها على أنها تحف فنية نادرة.

  • القطع الفنية في القصر الامبراطوري

إن القطع الفنية التي توجد داخل المدينة المحرمة هي أعمال فنية وتحف جمعت على مدار أزيد من 500 عام، وهي عبارة عن لوحات اليشم والسيراميك، والتي أبدع الحرفيون والفنانون الصينيون في صناعتها، مما يجعلها كنوزا ثقافية لروعة الفن التقليدي الصيني، وهي كذلك مصدر هاما للبحث والتنقيب في تاريخ الصين فيما يتعلق بالأبداع البشري في مجال الأعمال اليدوية.

  • قاعة الوئام وعرش التنين

تعتبر قاعة الوئام الأعلى أكبر قاعة في مجمع القصر الامبراطوري، وفيها يقع مسكن عرش التنين، وهو عبارة عن عرش خشبي يجلس عليه الامبراطور، وقد تم تزيينه بالزخارف التقليدية الصينية، كما زين بالتنانين المجسدة عليه من الأعلى حتى الأسفل، مما يرمز للقوة التي يتماز بها الامبراطور وسلطته المطلقة، على اعتبار أن التنين في الثقافة الصينية هو المرادف لمعنى القوة والجبروت.

  • الزينة الداخلية والخارجية في المدينة المحرمة

تم الاعتماد على الأسلوب والفن المعماري التقليدي الصيني في بناء وتزيين المدينة المحرمة على جميع المستويات، فقد تم تزيين البوابات بتماثيل حجرية للأسود، فيما طليت الأسقف بالزخارف الصينية التقليدية، واستخدمت الأخشاب المنحوتة لتزيين الجدران الخارجية لمجمع القصر الامبراطوري من الخارج، أما من الداخل فقد كان الورنيش هو ما طلي به الأثاث مع تزيينه باللآلئ، فيما تم تزيين بعض القاعات باليشم والذهب، بالإضافة لاستعمال المنسوجات الحريرية كفراش في كل الأرضيات الداخلية للقصر.

أماكن الجذب السياحي في المدينة المحرمة

تمثل حديقة القصر وقاعة داتشنغ وتمثال الأسد، وتمثال السلحفاة أبرز المعالم السياحية داخل المدينة المحرمة التي تستقطب نحوها ملايين الزوار سنويا، يأتي مختلف السياح للتجول وسط حديقة المدينة الغناء والتي تم تصميمها بدقة وبراعة، كما أن قاعة دانشينغ تمثل نموذجا معماريا فائق الجمال، فيما تمثال الأسد وتمثال السلحفاة يشكلان معا أثر يرمز لقوة أباطرة الصين الذين عاشوا في القصر الامبراطوري.

أبدع الصينيون ولا يزالون ينتجون من أعمال الابتكار والهندسة والفن ما يذهل العالم يوما بعد يوم، وليس غريب أن تكون المدينة المحرمة إنتاجا عظيما للصين، فمثلها مثل سور الصين العظيم، برع المهندسون والبناؤون في تصميمها معماريا حتى منحوا للبشرية قصرا امبراطوريا يظل شاهدا على عظمة الصين على مر العصور.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *