مسجد قباء أول مسجد بني في الإسلام وأهميته التاريخية
منذ بداية الإدراك لدى الكائن البشري كانت هواجسه الداخلية تدفعه للبحث دائما عن عما يجعله مطمئنا، ولا يمر يوم على البشرية دون أن تأتي الفرد لحظات يحتاج فيها لمن يحتويه دون عتاب، ولطالما لعبت المساجد هذا الدور على أكمل وجه، فهي تلك الأماكن التي لا ترفض من أتى إليه لاجئا يترجى فيها ملاذه النفسي ويجد فيها ما يلفه بروحانية تنزل عليه السكينة، وبذلك كانت ولا تزال المساجد أهم الأماكن في المجتمع الإسلامي وأكثرها قدسية، وهي المبنى الذي يجعل مرتاديه يتحلون بالخشوع أثناء تواجدهم به، ولقد أبدع المسلمون أينما كانوا في تشييد الجوامع حتى صار بعضها أيقونة معمارية ورمزا للجمال منبع الوحدة والالتئام بين أفراد الأمة، وفي هذا الصدد سنتحدث في مقالنا هذا عن أحد المساجد التاريخية الذي يحمل رمزية دينية كبيرة، وسنسافر معا إلى المملكة العربية السعودية لنتعرف عن قرب على مسجد قباء.
موقع مسجد قباء
يقع مسجد قباء بالمملكة العربية السعودية، وبالتحديد في حي قباء المسكن الأول للمسلمين بعد هجرتهم إلى المدينة المنورة بالجهة الجنوبية منها، وتفصله عن المسجد النبوي الشريف مسافة تتراوح بين 4 و5 كلم.
في وصف مسجد قباء

إن مسجد قباء منذ تشييده أول مرة مثل السلام والالتحام واجتماع كلمة مكونات الأمة، فهو أول مسجد بني بالمدينة المنورة (يترب أنذاك)، وهو ما منحه صفة الرمزية الخاصة في تاريخ الإسلام، وجعله يجسد واجهة الهوية الدينية للمسلمين في تلك الحقبة.
يتصف مسجد قباء بقدسية خاصة لدى المسلمين كونه أول مكان عقدت اجتماعات الرسول صلى الله وسلم والصحابة، وكان هو المكان الذي تؤدى فيه الصلاة جماعة من المسلمين، وبه صدح الآذان أول مرة في التاريخ البشري.
يعد مسجد قباء أقدم معلم تاريخي ديني بالمدينة المنورة، فقد تم بناؤه في السنة الأولى للهجرة، أي ما يوافق بالتقريب سنة 622 للميلاد، وجاء تشييده مباشرة بعد أن هاجر النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة ووصل إلى المدينة.
كان هذا المسجد اول بذرة في بناء مجتمع إسلامي جديد، بني بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ليكون مركزا للعبادة والتوحيد، وهو ما خول له أن يلعب دورا أساسيا في تعزيز الروح الجماعية بين المسلمين الأوائل، باعتباره مكانا لتجمعهم وتقوية روابط لأخوة والتعاون فيما بينهم.
يضم أربعة مآذن تم بناؤه على الطراز الإسلامي التقليدي، كما أنه يحتوي على 56 قبة كل واحدة منها تم تصميمه بشكل جذاب للغاية، ويعتبر هذا المسجد من أكثر المساجد التي تعرف توافد الزوار عليها سنويا سواء الحجاج أو المعتمرين، والذين يذهبون للصلاة به تقديرا لأول مسجد صلى به الرسول صلى الله عليه وسلم.
أبعاد مسجد قباء وطاقته الاستيعابية
يمتد مسجد قباء على مساحة اجمالية تقدر بحوالي 13500 متر مربع، فيما شيد المبنى والمرافق التابعة له على مساحة بلغت 5860 مترا مربعا، وهو يتوفر على مصلى رئيسي يمتد على مساحة 5035 مترا مربعا.
تبلغ الطاقة الاستيعابية لمسجد قباء حتى حدود عام 2021 قرابة 20000 مصل، وقد أعلنت السلطات في المملكة العربية السعودية في عام 2022 عن مشروع توسعة شامل وكبير لهذا الجامع، إذ ستصبح سعته بعد انتهاء عمليات التوسعة قرابة 66000 مصل، كما أن مساحته الاجمالية ستبلغ 50000 متر مربع.
جمالية مسجد قباء
قبل دخولك للمسجد ستستقبلك مناظر تخطف قلبك من شدة جمالها، إذ يتميز المسجد بتصميم معماري رائع يجمع بين التراث الإسلامي وروعة الحداثة، فهو في الأصل بني على الأسلوب الإسلامي الحجازي، وكان أول مبنى يتضمن ابتكارات إسلامية في البناء، وقد تم إدخال تعديلات هندسية عليه على مر السنين آخرها كان التحسينات الحديثة.
تتألق واجهته البيضاء الناصعة كلوحة فنية تعكس أشعة الشمس لتجعل من المكان براقا مع وجود مئذنة تتربع بفخر على ارتفاع 30 مترا، وهي مزينة بتفاصيل زهرية ونقوش هندسية تجسد براعة الحرفيين، وتعلوها قمة مزينة بكرسي دائري، جعلت المكان يبدو كحلم واقعي يقوي الإحساس الروحاني لدى الزوار.
تظهر الساحة الخارجية بهية من خلال مساحاتها الخضراء وأشجار النخيل الشاهقة التي تقدم ظلا وفيرا للمصلين يأسر الفؤاد، كما تتوزع حدائق صغيرة زرعت بها أشجار وأزهار ملونة متنوعة، وخلال المساء تنعكس الأضواء بشكل مثير ومذهل على واجهة المسجد، مما يضفي لمسحة سحرية على المكان ككل.
تستقبل الزوار بوابة رئيسية رائعة، تتسم بمظهر فخم ومهيب، وتتوج بأقواس مميزة بالزخارف والنقوش والكتابات الدينية وتلك سمة العمارة الإسلامية التقليدية، وهي تفتح على ساحة واسعة تبهر الضيوف فور رؤيتها.
بعد الولوج إلى داخل المسجد يجد الزوار أنفسهم أمام أبواب واسعة تشعرهم أنهم مندمجين مع الأجواء الروحانية للمكان، وقد تم تزيينها هي الأخرى بنقوش بارزة ومميزة، تقود هذه الأبواب الضيوف مباشرة إلى قاعة فسيحة تحسون فيها بالرحاب والهدوء، خاصة أنه موزعة بشكل مدروس تجنبا لأي اكتظاظ عند تدفق المصلين عليها.
تتميز هذه القاعة الرئيسية بأسقف زينت هي كذلك بأقواس ونقوش دقيقة وكتابات تجعلك تستذكر حكايات الزمن التليد عن مجد وازدهار بلغ أصقاع الأرض، وهي تضم أرضيات رخامية لامعة نتيجة أشعة الضوء التي تخترقها، مما يخلق مشهد بصريا يسحر جميع الحواس.
يتميز مسجد قباء بالتنظيم في كل شيء، ولعل منطقة المصلى هي أكبر دليل على ذلك، إذ تم تصميمها على شكل صفوف متناسقة، وقد فرشت بالسجاد الفاخر ذو ألوان راقية تنسجم مع طبيعة المسجد الروحانية، كما يتوسط المسجد مصلى للرجال وآخر للنساء، ما يتيح للجميع المجيء وممارسة شعائرهم الدينية من عبادة وصلاة.
يضم هذا المسجد رفوفا خشبية تحمل مصاحف تم تهيئتها من أجل الراغبين في قراءة القرآن بعد أو قبل الصلاة، وذلك من أجل توفير المساحة المثالية من أجل الانغماس في أجواء العبادة والخشوع، وقد كان المسلمون ولا يزالون مواظبين على قراءة القرآن بشكل جماعي داخل المساجد.
تتوفر بالمسجد أماكن مخصصة للوضوء تم توزيعها بطريقة تتناغم مع جمالية التصميم، وهي تحتوي على صنابير مياه ومقاعد خشبية أنيقة تحيل على الثقافة لإسلامية، وتغمر القاعة بإضاءة دافئة صادرة من مصابيح معلقة بطريقة فريدة من نوعها.
يتوسط المسجد عند أبعد نقطة منه في المقدمة منبر خشبي مزخرف يصعد عليه الإمام لإلقاء الخطبة أو الدروس المتعلقة بشؤون الحياة والدين، وقد تم تصميمه بأناقة وتلك طبيعة الأسلوب المعماري التقليدي الإسلامي.
يتمركز المحراب بوقار في جدار القبلة، وهو مزين بنقوش دقيقة تشير إلى اتجاه الصلاة، علاوة على هذا توجد بمسجد قباء غرف مخصصة للدروس والمحاضرات، وذلك من أجل نشر المعرفة الإسلامية وتلقين العلوم الدينية.

كيفية الوصول إلى مسجد قباء
- عبر السيارة داخل المدينة المنورة
بالنسبة للزوار المتواجدين في المدينة المنورة ويرغبون في الوصول إلى مسجد قباء، فإن أفضل وسيلة يمكن استخدامها هي السيارة سواء الشخصية أو سيارة الأجرة، ويمكن التنقل من المسجد النبوي إلى مسجد قباء في غضون 15 دقيقة بالسيارة.
- عبر السير على الأقدام داخل المدينة المنورة
تعد المدينة المنورة في حد ذاتها مكانا يتمتع بقدسية لدى جميع المسلمين على مستوى العالم، لذا فإن أفضل ما يمكن أن يفعله زوار المدينة الراغبين في زيارة مسجد قباء هو التنقل سيرا على الأقدام، وذلك من أجل المرور بمواقع سياحية أخرى تستحق الزيارة، وعموما فإن الانطلاق من أبعد نقطة بالمدينة المنورة من أجل الوصول لمسجد قباء يستغرق 45 دقيقة سيرا على الأقدام.
- عبر الحافلة داخل المدينة المنورة
من جانب آخر، يمكن للقادمين عبر الطائرة والذين ينزلون بمطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي الوصول إلى مسجد قباء عبر سيارة الأجرة أو الحافلة في غضون 30 دقيقة، كما أن الحافلات منتشرة بكثرة داخل المدينة المنورة وتعتبر وسيلة نقل مريحة، وتوجد محطات توقف كثيرة لها خاصة محطة المسجد النبوي الشريف، ومحطة شارع الملك عبد الله.
أفضل وقت للزيارة
- الشتاء
يعتبر فصل الشتاء في المملكة العربية السعودية فصلا مثاليا للقيام بزيارة المعالم التاريخية والدينية، لذا ينصح بزيارة مسجد قباء خلال الفترة الممتدة من ديسمبر حتى فبراير، وذلك لكون الطقس يكون معتدلا، كما أن أعداد الزوار تقل نسبيا.
- الربيع
يعد الربيع في المملكة العربية السعودية من بين الفصول الجميلة، إذ تشهد فيه مدن المملكة بما فيها المدينة المنورة اعتدالا نسبيا في الطقس، كما أن الفترة من مارس إلى ماي تعرف انفتاح الأزهار مع درجات حرارة متوسطة.
- الخريف
يتمتع الخريف بطقس لطيف ومميز يميل نحو البرودة بالمدينة المنورة، فهو أيضا لا تكون فيه درجات الحرارة مرتفعة، كما أن الفترة الممتدة من شتنبر إلى نوفمبر تتميز بالهدوء لقلة الزوار مع ألوان طبيعية ساحرة.
أبرز المواقع السياحية القريبة من مسجد قباء
عندما تقوم بزيارة مسجد قباء وتنهي جولتك الممتعة به لا تنس أن تقوم بالذهاب لمعالم سياحية أخرى أبرزها مسجد القبلتين، وهو موقع تاريخي مميز يقع في منطقة بني سلمة على بعد 4 كلم من مسجد قباء.
يعد جبل أحد أهم المواقع التاريخية المرتبطة ببداية تشكل التاريخ الإسلامي، وهو الذي وقعت بالقرب منه المعركة الشهيرة التي استشهد فيها عم الرسول صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب، وهو يقع على بعد 5 كلم من مسجد قباء.
وغير بعيد عن جبل أحد يمكن للزوار كذلك التوجه لحديقة الشهداء، وهي واحدة من أهم المواقع التاريخية بالمملكة التي تستحق الزيارة، وتفصلها هي كذلك عن مسجد قباء مسافة 5 كلم، وهي تتواجد بالجهة الشمالية للمدينة المنورة.
لا يسعنا ونحن نسدل الستار عن مقالنا هذا سوى أن نقول بأن مسجد قباء هو أحد أهم المعالم التاريخية والدينية بالمدينة المنورة، وهو مسجد ذو مكانة وقيمة عالية، فبعد كل شيء كان هو المنطلق الذي انتشر منه الإسلام وساد.