قلعة سهيل تاريخ وعراقة في باسبنيا

كانت القلاع ولا تزال رمزا للقوة والحضارة، فهي كتاب مفتوح يحمل بين صفحاته قصصا شاهدة على مدى تطور الأمم، وإنها تلك المآثر التاريخية التي تتجاوز كونها مجرد أبنية قائمة الجدران، لتكون بدلا عن ذلك تحفا تعبر عن التاريخ العريق والقيم الثقافية والإرث المجيد لعشوب عاشت في نفس المكان الذي تتواجد فبه هذه الصروح خلال فترات زمنية مختلفة، إذ تمثل قلاع العصور الوسطى حصونا عملت على حماية المجتمعات وتقويتها وصونها ضد أي عدو محتمل سواء كان أجنبي أو من أبناء نفس الجلدة، واليوم سنأخذكم في رحلة استكشافية جديدة للتعرف على واحدة من القلاع التاريخية في اسبانيا، حيث سنحدثكم عن قلعة سهيل التي خلفتها حضارة الأندلس العريقة.

عن قلعة سهيل

إن قلعة سهيل هي واحدة من أبرز المعالم التاريخية في اسبانيا، وهي تجسيد للتراث الغني المعبر عن الأمان المجتمعي والجمال المعماري، بل هي دليل على مدى صمود الأجداد وسعيهم لحماية إنجازاتهم الجبارة.
تعد قلعة سهيل حصنا دفاعيا أسس من أجل حماية سكان الأندلس، وهي بمثابة الشعلة التي تحيي روح المواطنة لدى الأجيال الأندلسية، كما أنه تمثل بوابة لاستكشاف حضارة الأندلس المجيدة وما خلفته وراء من ذكريات تحكى حتى يومنا هذا.

البناء والتصميم

عرفت الأندلس في عهد الخليفة الناصر عبد الرحمان الثالث مرحلة من الازدهار والقوة، تمثلت معماريا في إنشاء مدينة الزهراء بقصورها الساحرة، كما أن هذه الفترة عرفت اهتماما بالغا بجانب التحصين والدفاع، مما أدى لبناء العديد من الحصون والقلاع الدفاعية لحماية إمارة قرطبة.

شيدت قلعة سهيل بأمر من الخليفة الناصر خلال القرن الثالث عشر للميلاد، ورغم أنها كانت مجرد حصن دفاعي، إلا أن الناصر أعطى أوامر لجعلها أيقونة معمارية، فتم تصميمها على الطراز المعماري الإسلامي الأندلسي، والذي يتميز بدقة التفاصيل وجمالية النقوش والزخارف.

تم بناء هذه القلعة بهدف تأمين المنطقة ومراقبة الطرق الساحلية، خاصة أن إمارة قرطبة كانت ملزمة بتأمين ثغورها من هجمات الأعداء في كل بقعة حدودية، وهي حصن متين ضد جميع الغارات، فضلا عن كونها رمزا للقوة والحضارة في تلك الفترة.

سبب التسمية

إن تسمية قلعة سهيل بهذا الاسم يبرز مدى التطور الفلكي والاهتمام البالغ بعالم النجوم والكواكب الذي وصلت له حضارة الأندلس إبان مرحلة حكم الناصر، فقلد سميت هكذا نسبة لنجم سهيل، وهو أحد النجوم اللامعة في السماء.

الأبعاد والأدوار الحمائية

تعطي قلعة سهيل مساحة تقدر بحوالي 3000 متر مربع، وهو رقم تقريبي فقط إذ لا توجد معلومة دقيقة بخصوص أبعادها ومساحتها، وحسب التقديرات كذلك فإن طولها يصل لقرابة 80 مترا، وهذه المعطيات تشير لكون هذه القلعة كانت مقر إقامة للحامية العسكرية المكلفة بالدفاع على المنطقة حيث بنيت قلعتنا هذه.

إن ما ذكرناه الآن يجعلنا نخلص لكون قلعة سهيل كانت قادرة على استيعاب عدد كبير من السكان الذين يرسلون إليها من أجل حمايتهم، سواء خلال الأزمات أو الحروب، مما يجعلها نعم النموذج لتوفير الأمان لسكان الأندلس، كما أنها بفضل خصائصها الهندسية اعتبرت أيقونة للصمود أثناء الغزوات في تلك الحقبة من التاريخ.

تجربة الزيارة

تشتهر القلعة بزخارفها المعمارية الجميلة التي تميز الحضارة الإسلامية والتي تعكس فن الزخرفة الأندلسي، وقد زينت كل بقعة فيها بنقوش عربية أصيلة وكتابات خطية منمقة على أفضل وجه، مما أضاف على التفاصيل المعمارية جمالا بصريا مذهلا.

إن أول ما يقابلك من قلعة سهيل قبل الدخول إليها هو عظمة جدرانها السميكة المصنوعة من الحجر الرملي، والتي شيدت بهذه الطريقة لتوفير القوة الدفاعية، وما يزيد من قوة هذه القلعة هي الأسوار المرتفعة ذات الزوايا المدببة، مما يعزز من مظهرها المهيب ويعكس براعة المعمار الأندلسي القديم.

تم اختيار موقع تشييد قلعة سهيل بعناية تامة، إذ تحيط بها طبيعة ساحرة تأسر القلوب والعيون على حد سواء، فعلى مقربة منها توجد تلال الخضراء تخطف الأنفاس، وأنهار جارية تضفي لمسة من الحيوية والراحة على المكان ككل.

تتنوع المناظر الطبيعية المحيطة بهذه القلعة، إذ يمكنك رؤية الأشجار البساتين الممتدة في جميع الاتجاهات منها، مما يوفر الظل للمتجولين بمنطقة القلعة، إلى جانب ذلك تمتد أراضٍ زراعية خاصة بالحبوب والنباتات، مما يجعل الزوار يغوصون في قلب الحياة الطبيعية المفعمة بالحيوية.

عندما تلج إلى داخل قلعة سهيل ستشعر أن أقدامك تنقلك مع كل خطوة إلى عالم المنصور وصبح والمعتمد بن عباد والناصر، وستحس أن الماضي يلفك ويغدق عليك من تراثه الغني، وذلك من خلال مظهر القلعة الداخلي الذي لا يختلف بأي شكل عن جميع صروح العصر الأندلسي المعمارية.

تحتوي القلعة على أفنية مفتوحة كانت تستعمل كأماكن للاجتماعات، وجميعها تتوفر على اسوار مرتفعة تحيط بها تخلق مشهدا رائعا يتجلى في أبهى حلة، وقد تم تزيين هذه الأفنية بالزخارف والنقوش الإسلامية، مما رفع جمالية المكان لمستوى آخر.

تتوفر بهذه القلعة العديد من الأبراج التي استخدمت فيما مضى للمراقبة، كما أنها كانت الموقع الدفاعي الأول الذي يتم من خلاله صد الهجمات، وهذه الأبراج تتميز بكونها مطلة على الواجهة البحرية، مما يجعل الزوار اليوم يستمتعون أثناء التواجد بها بإطلالة بانوراميا على البحر.

توجد بالقلعة كذلك باحات متعددة ذات جمال آسر للأفئدة، وهي تضم حدائق طبيعية غاية في الجمال، كما زرعت بها العديد من النباتات الأندلسية المميزة، مما منح الحديقة داخليا جمالا طبيعيا قل وجوده في نظيراتها من المواقع المشيدة كحصون دفاعية.

تشتمل القلعة أيضا على غرف سكنية كانت مخصصة للإقامة، وقد تم تزيينها بزخارف إسلامية غاية في الروعة، وقد عاش في هذه المساكن الجنود المنتمون للحامية العسكرية، كما أقام فيها سكان الأندلس الذين كانوا يبعثون لقلعة سهيل في خضم الحروب والأزمات.

يمكن للزوار أثناء جولتهم الاستكشافية لقلعة سهيل التعرف على مخازنها التي كانت مخصصة لتخزين المؤن والذخائر، وهي عبارة عن غرف ذات جدران سميكة، صممت على هذه الشاكلة من أجل الحفاظ على المحتويات التي توضع بها خاصة في حالة شهدت القلعة حصار ما.

تتميز قلعة سهيل بكونها تضم شبكة من المسارات والطرق الضيقة التي تربط بين مختلف مكوناتها، مما يسهل الحركة بين الغرف والمرافق، ولا يمكن ان ننسى ان القلعة تحتوي على حمامات مزودة بنظام صرف مائي متقدم يجسد قوة وإبداع العقل البشري انا ذاك.

أما في المنطقة السفلية من القلعة فتوجد أقبية عبارة عن غرف تحت الأرض كانت تستخدم لتخزين الطعام والأسلحة، إذ أنشئت هذه الغرف السفلية من أجل حماية المؤن من العوامل الخارجية التي كان من الممكن أن تفسد جودتها، كما أنها في حالة اليأس تعتبر كملاجئ أخيرة للمقيمين بالقلعة.

باعتبار قلعة سهيل معلما وحصنا أندلسيا إسلاميا فقد ضمت ضمن مكوناتها أماكن مخصصة للعبادة والصلاة، وهي عبارة عن غرف صغيرة الحجم والمساحة كانت تستخدم بكثرة أثناء دخول هذه القلعة في حالة حصار.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *