
قلعة المصمك بالرياض | التاريخ والتراث السعودي
أبدعت البشرية في بناء الصروح المعمارية المتعددة بما فيها القصور والمساجد والكنائس والمعابد من أجل التباهي المجتمعي من جهة، وغاية في استعراض القوة والسلطة من ناحية أخرى، وارتباط بالعقائد الروحانية وتجسيدا للقدسية من منطلق مختلف، ومع ذلك فإن البراعة التي شيدت بها القلاع تجعل المرء يقف أمامها رافعا قبة الاحترام للبنائين والحرفيين التقليديين الذين أبانوا عن جدارة ومهارة في فنون البناء، وما دمنا نتحدث عن الحصون الدفاعية وجمالها المعماري، فإننا ينشد الرحال مجددا إلى المملكة العربية السعودية لنتعرف عن قرب على قلعة المصمك.
معلومات حول قلعة المصمك

تتربع قلعة المصمك وسط العاصمة الرياض وكأنها فارس في جيش هارون الرشيد أوكلت لها مهمة حراسة الماضي التليد ببلاد الحجاز، وهي حصن دفاعي مزج فيه الطين والحجر، فتجسدت على شاكلة قصيدة معمارية نظمت أبياتها فخرا بمجد تليد عاشته البلاد ذات مرحلة من التاريخ.
ترتفع هذه القلعة المهيبة من على الأرض ممتدة نحو السماء بطول يصل إلى 35 مترا، وتغطي مساحة تبلغ قرابة 4000 متر مربع، لتتجاوز كونها بناء تقليديا وتتجلى كنافذة تنقل المتأملين فيها إلى عهد البطولة والاستبسال من أجل بقاء الوطن والهوية، وقذ سميت بقلعة المصمك نظرا لسماكة جدرانها وصلابتها.
شيدت القلعة عام 1895 في خضم مرحلة شهدت صراعات دموية بين القبائل ومكونات المنطقة التي انتصبت وسطها باعتبارها حصنا دفاعيا متينا، وقد بنيت تنفيذا لأوامر الأمير عبد الرحمان بن سليمان آل سعود إبان عصر الدولة السعودية الأولى.
تتمتع هذه القلعة بمكانة عالية لدى السعودية مجتمعا ودولة، فتحولت مع مرور العقود إلى رمز ومعلم تاريخيا يبعث على الفخر، وقد أشرف على بنائها مجموعة من مختصي فنون البناء المحليين، ما لعب دورا كبيرا في جعلها تتصف بأصالة المعمار، إذ اعتمد الأسلوب الحجازي التقليدي في الهندسة كتصميم لها.
موقع قلعة المصمك
تقع قلعة المصمك على مقربة من شارعي طارق بن زياد وتركي بن عبد الله في حي الديرة التاريخ بالعاصمة الرياض في المملكة العربية السعودية، ويبعد عن سوق الزل التقليدي مسافة 300 متر فقط، فيما تفصله عن قصر الحكم مسافة 500 متر.
واجهة قلعة المصمك
عندما يقترب الزائر من قلعة المصمك يجد نفسه مذهولا أمام الحجارة التي شكلت جدرانها وأسوارها، فرغم كونها متراصة في جمود، إلا أنها تبدو مثل قطعة صحراوية بهية الملامح في لوها الترابي الدافئ الباعث على السكون والطمأنينة.
- جدران الواجهة
تمتاز جدرانها بالسماكة والصلابة مع اتصافها بالعلو ذو الهيبة التي يشعر بها من ينظر إليها عن قرب، وهي تمتد نحو الأفق المفتوح منتصبة في فخر وشموخ، وقد ارتدت اللون البني الداكن المائل إلى الأحمر القاني، والذي ساهمت قسوة المناخ وطبيعة المواد المستخدمة في البناء في ظهورها هكذا، كما أن ملمس الجدران يتسم بالخشونة، مما يجعل الواجهة تظهر عظيمة بشكل فريد واستثنائي.
- قاعدة الواجهة
شيدت الجدران على قاعدة صلبة ذات عرض واضح للأبصار، وهي مبنية بواسطة قوالب من الطين مزجت بطريقة مبتكرة مع القش مشكلة البن المجفف بفضل أشعة الشمس المسلطة عليه، مما زاد من بساطة التصميم وروعته وعراقته.
الأبراج العالية

تتزين القلعة بأربعة أبراج تعلو فوق أركانها منتصبة وواقفة مثل حراس خزائن صامتين لا يغمض لهم جفن، وهي تمتد نحو الأفق السماوي بارزة كأنها رماح ضرب وسط الصحراء، وتتوفر بكل برج فتحات صغيرة استخدمت لمد القلعة بالتهوية وللرماية منها بالسهام في حال تعرضها للاعتداء.
تتميز هذه الأبراج بشكلها المستدير، وهي ذات بنية سميكة منحتها مظهرا يشعر من يراها بالرهبة، وتحتوي على شرفات أقيمت بأعلى النقط بها كمنصات للمراقبة ومشاهدة الأفق المفتوح الممتد أمام القلعة، كما تضم عدة نوافذ ضيقة تتيح تسلل أشعة الشمس للقلعة، وتستخدم كذلك للمراقبة أو لأداء مهام دفاعية.
البوابة الرئيسية
تعد البوابة الرئيسة أهم مكونات واجهة قلعة المصمك وأكثرها جمالا، وقد صنعت بواسطة خشب النخل بحرفية ودقة عالية جعلتها تمتاز بالقوة والسماكة علاوة على كونها ثقيلة جدا، مما يعكس بساطة التصميم وجماليته التقليدية.
زينت هذه البوابة بالزخارف الإسلامية والعربية العريقة المتجسدة في النقوش التقليدية التي تم نحتها وحفرها عليها، وفي وسط البوابة توجد فتحة صغيرة يتم فتح بابها من خلالها يطلق عليها اسم “الخوخة”.
الساحة الخارجية
تحيط وتمتد حول وأمام قلعة المصمك ساحة مهدة ارضيتها بعناية تامة، إذ بلطت بالحصى المرصوص مجسدة روح وطابع البيئة الصحراوية، وهي مكان خاص للوقوف وتأمل جمال القلعة واستحضار تاريخها العريق.
- الأسوار
بنيت على جوانب القلعة مجموعة من الأسوار السميكة التي ساهمت في زيادة قوة التحصين والأمان الدفاعي لهذا المبنى المهيب، وهي تمتاز بالانحناء والتموج النسبي الضعيف متألقة نحو الأفق العالي، وقد ظلت صامدة محافظة على قوتها على مدار القرون منذ بنائها وحتى عصرنا الحالي.
- الأسطح
تظهر على امتداد أسوار هذه القلعة المميزة مجموعة الأسطح الطينية التي أضفت على القلعة رونقا معماريا خاصا لا يقل حسنا عما فعلته الأبراج والأسوار، وقد كانت وظيفتها الأصلية هي تجليها كمكان للمراقبة.
طوابق قلعة المصمك
ما إن تضع أقدامك داخل قلعة المصمك ستشعر وكأنك مسافر إلى زمن اخر لا مثيل له، فكل ما في هذا الحصن يجعلك تحس بالإرث التاريخي والموروث الثقافي العريق الذي يفوح من جميع زواياه وأرجائه.
- الطابق الأرضي
تتكون القلعة من طابقين كل واحد منهما يمتاز بخصائص تميزه عن الآخر، فالطابق الأرضي تتوفر به مجموعة من الغرف التي تم تصميمها بجمالية خاصة، وقد تم تخصيص كل واحدة منها لغاية مختلفة عن الأخرى.
- غرفة الملك
تعد غرفة الملك أشهر غرف الطابق السفلي، وهي تبدو وكأنها لوحة فنية مضاءة بنور الخلود، إذ تمتزج ألوان جدرانها الطينية مع ألوان الأرض، وقد أفرشت بسجاد تقليدي صنع بمهارة فائقة، كم وضعت بها العديد من الوسائد المخصصة للاتكاء أثناء الجلوس، وتوجد فيها أيضا نافذة صغيرة مستطيلة الشكل، تتيح للمقيمين بها مشاهدة الخارج عبر إطلالة توصف بالرؤية من عين الصقر.
- غرفة التخزين
يشتمل هذا الطابق كذلك على غرفة مخصصة للتخزين ذات جدران سميكة ساهمت في أداءها وظيفتها على أكمل وجه، وقد خزنت بها المؤن والأسلحة والطعام، كما وضعت بها أوراق تحتوي على رسومات قديمة تصور أدوات الحياة اليومية المستعملة في منطقة الرياض.
- غرفة الاستقبال
تعتبر غرفة الاستقبال أيضا من أهم غرف قلعة المصمك، وهي قاعة فسيحة تضم مكانا متسع للجلوس، ولقد كان ينزل بها الضيوف الذي يفدون على القلعة بما فيهم الشخصيات الهامة والقادة العسكريون، وقد تم تزيين جدرانها بالنقوش العربية التقليدية.
- سلالم القلعة
يربط بين الطابقين في هذه القلعة درج ضيق عبارة عن سلالم بنيت بالطين والحجارة الممتزجان مع بعضهما، وقد شيد هذا الدرج على هذه الشاكلة ليعيق ويقلص حركة الأعداء في حال تمكنوا من اقتحام القلعة والدخول إليها.
- الطابق العلوي
يمتاز الطابق العلوي بمساحاته المفتوحة التي تجعل زواره يحسون عند الدخول إليه وكأن الزمن قد تغير، مما يبعث السكينة والرهبة في النفوس، تتوفر به أماكن عدة تعتبر منصات مراقبة، وهذه الأخيرة تتيح للواقفين بها الاستمتاع بإطلالات بانوراميا ساحرة على محيط القلعة.
- غرف الحراسة
تتوفر بهذا الطابق مجموعة من غرف الحراسة، والتي تتميز بكونها ضيقة وكانت تستخدم للمراقبة والرصد، وعند التواجد بها تتملك الضيوف مشاعر جياشة تستحضر مشاهد خيالية عن الجنود الذين كانوا يقفون بها لأداء مهامه الدفاعية.
- غرفة الاجتماعات
تقع في الطابق العلوي غرفة مخصصة للاجتماعات، وهي واحد من أهم غرف قلعة المصمك ككل، تم تشييدها في موقع استراتيجي من هذا الحصن المنيع، وهي تضم طاولة خشبية محاطة بالكراسي وضعت في وسطها.
إن قلعة المصمك هي إحدى التحف المعمارية التي بناها السعوديون من أجل توفير الحماية الكاملة للمنطقة التي تقع بها في مدينة الرياض العاصمة الحالية للمملكة، وهي ذات جمال وإرث ثقافي وتاريخي يجعلها من أبرز المعالم التي تستحق الزيارة والاستكشاف.