حدائق سوجو: روائع الحدائق الكلاسيكية الصينية في مدينة سوجو
منذ الأزل وحتى وقتنا الراهن كانت الحدائق دائما تجسيدا لذكريات ثقافية عميقة، ولطالما مثلت الحدائق واحدة من أبهى حلل الابتكار البشري على مر العصور، فهي المكان التي يتم تشييده ليندمج فيه الإنسان مع الطبيعة ليتحولا إلى كيان واحد، وهو ما خول الحدائق في جميع الحضارات لأن تصبح جزء لا يتجزأ من مكونات التراث الثقافي والحضاري للمجتمعات البشرية المختلفة، إذ أن الحدائق حيثما وجدت فهي خير مكان للتخلص من السلبيات والانغماس في التأمل من أجل تجديد الطاقة الروحية لدى الفرد، وهنالك من يعتبر الحدائق بمثابة الصورة الدالة على تناغم العناصر الطبيعية المتنوعة الممتزجة مثل الماء والنبات، والتي يتم تنسيقها بشكل مثير للإعجاب بفضل ابداع العقل البشري الذي يظل يبهر نفسه يوما بعد يوم، وفي هذا الصدد سنتعرف في مقالنا لهذا اليوم على حدائق سوجو في الصين.
حدائق سوجو
تعتبر حدائق سوجو أحد أروع المعالم الطبيعية في الصين، وهي نموذج حي ظل صامدا للتذكير بالتراث العريق لبلاد التنين، كما أنها تتجاوز كونها مساحات خضراء ممتدة على مساحة محددة، بل هي بمثابة السرداب الذي تعبر من خلاله الروح البشرية لتتأمل معاني الحياة.
تعد هذه الحدائق واحدة من أجمل الحدائق الصينية التقليدية، ولقد اعتبرت إحدى الشواهد الراسخة على مدى براعة الإنسان الصيني في الابتكار الفني في المجال الطبيعي، فهي تراكم فني يتميز بتناسقه البصري وتوازنه عناصره الطبيعية المكونة، مما يخلق جوا يشعر المتواجد فيها بالارتياح ويشجعه على الابداع.
موقع حدائق سوجو
تقع حدائق سوجو التاريخية في منطقة شرق الصين بمدينة سوجو داخل مقاطعة جيانغسو، وهي واحدة من أبرز المعالم السياحية في هذه المدينة، كما أنها قريبة من حديقة الممشى الشهيرة، إذ تفصل بينهما مسافة 3 كلم.
أشهر حدائق سوجو.
حديقة التواضع
تصنف هذه الحديقة ضمن أفضل حدائق سوجو، وهي واحدة من أقدم هذه الحدائق، وهي تضم العديد من المساحات الخضراء التي تتوفر على جسور حجرية وبحيرات ساحرة، وقد تم تصميمها على الطراز الصيني التقليدي.
حديقة الشبكة المتشابكة
تعتبر هذه الحديقة من أصغر حدائق سوجو، ومع ذلك فهي تتميز بخصائص جمالية أبرزها بساطة التصميم، وتمازج الهندسة مع الطبيعة، ويتجلى جمالها في النباتات الخضراء التي تخترقها المياه مع بعض الصخور المنتشرة في كل بقعة منها.
حديقة غابة الأسد
تعد هذه الحديقة من بين حدائق سوجو الأكثر تميزا، فهي تمتاز بتشكيلاتها الصخرية المشكلة والمصممة بشكل فني مثير للإعجاب، إذ تظهر وكأنها رؤوس للأسود، وهو ما يجعلها تتميز بإثارة تشعل حماسة الزوار، وقد تم تشييدها خلال مرحلة حكم سلالة يوان.
حديقة شيزلينغ
تضم مدينة سوجو حوالي 50 حديقة عتيقة، على رأسها حديقة شيزلينغ التي تعد أكبر الحدائق في هذه المدينة الصينية، وهي تتميز بممراتها المتعرجة وبحيراتها الهادئة، مما يوفر أجواء مثالية للتأمل والاسترخاء.
حديقة ليونغتانغ
تعتبر حديقة ليونغتانغ كذلك من أهم حدائق سوجو، وهي تمتاز بتاريخها العريق، كما أنها تتميز بخصائص جمالية مختلفة، إذ يتناغم فيها الجمال الفني مع البيئة الطبيعية، وهو ما حولها لخيار مثالي للنزهات الرومانسية.
حديقة هانشان
لا يمكن الحديث عن حدائق سوجو دون التطرق لحديقة هانشان، وهي حديقة طبيعية مميزة تضم معبدا تاريخيا شهيرا في هذه المنطقة، وهي ذات جمال طبيعي ساحر مع لمسة فنية مبتكرة، مما جعلها مكانا مناسبا للجلوس والتأمل، كما أنها من الأماكن المثالية للقراءة.
حديقة شينغوي
وآخر حديقة سنتحدث عنها ضمن حدائق سوجو هي حديقة شينغوي، وهي إحدى أجمل هذه الحدائق على الإطلاق، وتتميز بتصميمها الكلاسيكي الذي يخطف الأنظار ويسحر العيون، وهي مكان رائع للاستمتاع بالفن والجمال الطبيعي
أيقونة عالمية.
نظرا لتاريخها العريق الممتد لأزيد من 1000 عام، وبفضل جمالها الطبيعي المثير للإعجاب، ولأنه تصميمها مذهل لدرجة أنه أثر على حدائق أخرى في الصين والعالم والتي اقتدى به، إلى جانب كون حدائق سوجو تحفة خالدة تمزج بين الجمالين المعماري والطبيعي، فقد تم إدراجها ضمن مواقع التراث العالمي لليونيسكو عام 2000م.
البناء والتصميم
تأسست هذه الحدائق التقليدية خلال فترة أسرة سونغ (960-1279 ميلادي)، واستمرت في التطور والتغير عبر العصور حتى اصبحت إحدى الرموز البارزة المشكلة للهوية الثقافة الصينية، وصارت إرثا تاريخيا يفتخر به الصينيون.
تم بناء حدائق سوجو تنفيذا لرغبات الحكام المحليين والارستقراطيين الأثراء، وقد شارك العديد من الحرفيين الصينيين آنذاك في عمليات التشييد والتنسيق، أما فيما يخص التصميم فنظرا للمرحلة التاريخية التي بنيت فيها هذه الحدائق فإن الحرفيين التقليدين الصينيين هم متن قاموا بتصميمها.
الجمال الشجري في حدائق سوجو
تتميز هذه الحدائق بتنوعها الغني من نباتات وأشجار، فهي تضم سلسلة من أشجار الصنوبر الفائقة الجمال، والتي تعد في الثقافة الصينية رمزا بارزا للقوة والجمال، كما أنها أضفت على الحدائق لمسة طبيعية مختلفة من ناحية الخضرة الدائمة.
من جانب آخر تعتبر أشجار الكرز إحدى أهم المكونات الطبيعية النباتية في حدائق سوجو، وهي من الأشجار المميزة في منطقة شرق أسيا، كما أنها خلال الربيع تزدهر وتشهر بأزهارها الرائعة، وتعطي من ناحية أخرى سمة جمالية خاصة للحدائق مع كونها مصدرا للإلهام.
نصل للنوع الثالث من الأشجار المنتشرة في حدائق سوجو، والحديث هنا عن أشجار البلوط، والتي تتميز بهيبة مظهرها وظلالها الوفيرة وأوراقها العريضة، وهي تلعب دورا مهما في اكتمال البهاء والحسن الطبيعي داخل الحدائق.
لا يمكن التحدث عن الأشجار في الصين وشرق آسيا دون ان تلوح في الذهن أشجار الخيزران، وهي أيضا من أهم الأشجار التي تضمها حدائق سوجو، ومثل أشجار الصنوبر فهي دائما الخضرة على مدار العام، مما يجعل الحدائق نظرة وجميلة على مدى تعاقب الفصول.
جمالية حدائق سوجو
عند دخول حدائق سوجو، ستشعر وكأنك تخطو إلى عالم آخر، عالم يحيط بك فيه عبير الأزهار ورائحة النباتات، ويهدئ بالك صوت المياه الصادر من البرك مع بصمة أشعة الشمس التي تخترق الأوراق، مشكلة ظلالا في قمة الروعة والجمال.
تم تركيب حدائق سوجو بطريقة غريبة ومثيرة للإعجاب، إذ تنم طريقة التركيب والتنسيق عن فلسفة الانسجام والترابط، ويظهر ذلك بشكل جلي من خلال الممرات الحجرية المتعرجة التي تستخدم لتوجيه الزوار في رحلتهم الاستكشافية لهذه المعلم الطبيعي المذهل.
تضم هذه الحدائق بركا مائية تمتاز بالهدوء، وهي ذات جمال أخاذ يزيد من بهاء المشهد الجمالي المحيط بالمكان مما يجعل عقل الزائر مخطوفا جراء روعة المنظر أمامه، وهذه إحدى الخصائص الجمالية المثيرة في حدائقنا هذه.
على مقربة من البرك يمتد جسر بني بالأخشاب والأحجار بشكل فني ودقة حرفية بالغة، وهو مصمم بشكل فني يعكس روعة الفن التقليدي الصيني، كما أنه يضيف لمسة جمالية مختلفة على الحدائق، ويجعلك تتأمل في مدى بعد النظر لدى الصينيين القدامى علاقة بالتصميم الجمالي الطبيعي.
أقرب المعالم السياحية من حدائق سوجو
تتعد المعالم السياحة الواقعة على مقربة من حدائق سوجو، إذ هنالك مجموعة من الأماكن التي يمكن زيارتها بعد الانتهاء من التجول داخل هذه التحفة الطبيعية أهمها متحف سوجو للفنون، والذي تفصله عن الحدائق مسافة 2 كلم، وهو يقوم بعرض مجموعة متنوعة من القطع الأثرية والفنية العريقة التي ظلت مدينة سوجو محتفظة بها.
يمكن كذلك بعد الانتهاء من زيارة حدائق سوجو التوجه إلى طريق بينغجيانغ المعروف باسم شارع الثقافة التقليدي، والذي يقع على مسافة 1.5 كلم من الحدائق، وهو يتوفر على متاجر تعرض منتجات تقليدية، كما يضم العديد من المقاهي والمطاعم التي تتيح للزوار تجربة الأطعمة الصينية التقليدية، ويعد مطعم بوانغوانغ أشهرها.
كيفية الوصول إلى حدائق سوجو
- عبر الطائرة مباشرة إلى سوجو
تتعدد طرق الوصول إلى حديقة سوجو حسب ما يفضله الزوار، فإن كنت قادما بالطائرة فمن الأفضل أن تكون قد صعدت لرحلة متجهة مباشرة إلى مطار سوجو، وبعد النزول فيه يمكنك استئجار سيارة أو الصعود في سيارة أجرة، وفي كلا الحالتين ستصل إلى الحدائق في غضون 30 دقيقة.
- عبر القطار السريع من شنغهاي
أما إذا كنت تفضل استخدام القطار فيفضل أن تستقله من مدينة شنغهاي، وينصح باستخدام القطار من محطة شنغهاي حتى محطة سوجو، إذ تستغرق الرحلة بينهما قرابة 30 دقيقة، وبعد النزول منه يتوجب عليك إتمام الرحلة إما عبر المترو أو الحافلة أو سيارة الأجرة، وجميع هذه الوسائل ستقودك مباشرة إلى الحدائق.
عبر الحافلة من شنغهاي ونانجينغ وهانغتشو
من جانب آخر بالنسبة للأشخاص المتواجدين في شنغهاي أو نانجينغ أو هانغتشو ويرغبون في الذهاب إلى سوجو وزيارة حدائقها التاريخية، فيمكنهم استخدام الحافلات التي تقطع المسافة في ظرف زمني يتراوح بين ساعة وثلاث ساعة حسب مدينة الانطلاق.
- عبر القطار السريع من بكين
أما فيما يتعلق ببكين فيمكن استخدام القطار السريع للتنقل منها إلى مدينة سوجو، وستستغرق الرحلة حوالي أربع ساعات، وبعد الوصول وكما هو الامر بالنسبة لشنغهاي، سيتم إتمام الرحلة بواسطة سيارة الأجرة أو المترو أو الحافلة.
أفضل وقت لزيارة حدائق سوجو
الربيع والخريف
يعد فصلا الربيع والخريف هما الوقتان المثاليان للقيام بزيارة رائعة ومثالية لحدائق سوجو، ففي الربيع تتفتح الأزهار بألوان زاهية، مما يخلق مناظر طبيعية تخطف الأنفاس وتجعل من المكان ملائما لتأمل والتنزه، أما في الخريف فتتزين الحدائق بألوان الأوراق المتساقطة، مما يضفي سحرا خاصا مناسبا لالتقاط الصور والتجول.
أفضل وقت للزيارة خلال النهار
إن كنت تبحث عن تجربة ممتعة واستثنائية وأجواء هادئة تجعلك تستمتع لأبعد الحدود بحدائق سوجو، فإن أفضل وقت خلال النهار يمكنك فيه الذهاب إلى هذه الحدائق التاريخية هو بين الساعة 08:00 و10:00 صباحا.
في ختام رحلتنا الممتعة هذه والتي استكشفنا فيها حدائق سوجو التاريخية، فإننا نجد أنفسنا نعترف قبل أن نسدل الستار على مقالنا هذا أن هذه الحدائق هي معلم سياحيا وتاريخي بارز في الصين، وهي إحدى أجمل الابداعات البشرية الكلاسيكية التي خلفها الإنسان الصيني.
