
تاريخ الصين رحلة عبر العصور من الامبراطوريات القديمة إلى العصر الحديث
تعد الصين واحدة من أقدم أماكن التجمعات البشرية، وإحدى أهم مواطن الاستقرار وظهور الحضارة في التاريخ، إذ يتميز تاريخ الصين بتعاقب الإمبراطوريات، والتي كانت عبارة عن سلالة تطيح الجديدة منها بسابقتها وتؤسس مملكتها الخاصة. في هذا المقال سنستعرض تاريخ الصين منذ تأسيس أول سلالة حاكمة وحتى مطلع القرن الواحد والعشرين. فهيا نستمتع بهذه الرحلة التاريخية المذهلة.
مهد الحضارة الصينية عصر ما قبل سلالة تشين
تميزت مرحلة ما قبل سلالة تشين بظهور أولى السلالات التي أسست نظام حكم ملكي في مناطق تم ضمها لبعضها البعض، ورغم أن السلالات الثلاثة الأولى لم تنجح في تأسيس مملكة توحد جميع مناطق الصين القديمة، إلا أنها تركت ورائها مظاهر حضارية بارزها أهمها نظام الكتابة الهيروغليفية، عن طريق استعمال عظام الاوراكل، ونظام الري والزراعة، وصناعة البرونز، وصناعة الحرير، والخزف، والنحت على العاج.
سلالة شيا
تدعي الأسطورة الشعبية والتي تتفق معها بعض المصادر أن أول سلالة أسست ما يشبه نظام الحكم، متجسدا في عادات وتقاليد عامة تم تطبيقها في المنطقة التي حكمتها هي سلالة شيا، ولها يتنسب النظم والأسس الاجتماعية والسياسية التي قات بفضلها الحضارة الصينية فيما بعد.
كانت هذه السلالة حسب بعض المراجع التاريخية الغير المدعومة بالأدلة العلمية تحكم الصين في الفترة الممتدة من 2070 ق.م حتى 1600ق.م. وقد دعمت الأبحاث التي أجراها علماء الآثار بجامعة بكين حول الفيضان الكبير الذي ضرب المنطقة التي تحيط بمنطقة نفوذ الأسرة في المرحلة التاريخية المذكورة وجودها حقيقة. إذ تدعي القصة الأسطورية أن يو أول ملك لشيا، قام بإصلاح الأضرار الناجمة عن ذلك الفيضان.
سلالة شانغ
تعتبر سلالة شانغ أول أسرة وسلالة حسب التاريخ البحثي والمكتوب حكمت مناطق مختلفة فيما عرف فيما بعد بالصين. استمر حكم هذه السلالة ست قرون متتالية، وهي مرحلة مهمة من تاريخ الصين، حيث تم اختراع الكتابة، مما أدى إلى ازدهار الثقافة والابتكار والإبداع، كما أن هذه الفترة الزمنية كانت بداية ظهور الفلسفة.
شهدت مرحلة حكم سلالة شانغ تطورا كبيرا في الصناعة الحرفية، إذ ظهرت صناعة البرنز لأول مرة. من جانب آخر، أصبح البناء والهندسة المعمارية على الطراز الصيني فنا وأسلوبا قائما بذاته، وتجلى في القصور والمعابد التي خلفتها هذه الحضارة وأشهرها قصر يين.
سلالة تشو
سقطت مملكة شانغ على يد تشو الملك والمؤسس الأول للسلالة التي حملت اسمه، وهي أطول سلالة حكمت الصين قبل عصر الإمبراطورية الموحدة، وقد امتدت فترة حكمها والتي تعرف بالعصر الذهبي للصين القديمة ما بين 1046 ق.م و265 ق.م. تطورت في عصرها الفلسفة الكونفوشيوسية بشكل كبير، كما ظهرت فيها الكتابات الأولى للطاوية.
الصين خلال مرحلة الامبراطوريات الموحدة
سلالة تشين
عرفت الصين أول وأهم منعرج تاريخي عندما قام تشين شين هوانغداي بتوحيد جميع مناطق البلاد تحت حكم سلالة تشين عام 221 قبل الميلاد، وقد نصب نفسه حاكما وسمى نفسه الامبراطور، وكانت هذه أول مرة يستعمل فيها هذا المصطلح. وقد دام حكم هذه السلالة 15 عاما فقط، حكم من خلالها امبراطوران، كان الأول هو المؤسس، والثاني هو ابنه إر تشي، والذي حكم ثلاث سنوات وحسب، ليتم خلعه على يد قائد المتمردين ليو بانغ مؤسسة أسرة هان.
تميزت مرحلة حكم سلالة تشين والتي أخذت منها الصين اسمها بكونها فترة حكم استبدادي، فرض فيها القانون والنظام على جميع مقاطعات الإمبراطورية، ما أدى إلى استقرار تام. كما تم تشييد وبناء أول جزء من سور الصين العظيم، والذي سيصبح فيما بعد أحد عجائب الدنيا. كما تم العثور في القرن العشرين داخل ضريح تشين شين هوانغ على جيش الطين الامبراطوري، وهو أحد أهم المعالم التاريخية لهذه السلالة.
سلالة هان
تعتبر سلالة هان إحدى أهم وأعظم السلالات التي مرت بتاريخ الصين، وقد امتدت فترة حكم هذه السلالة من 206 قبل الميلاد إلى 220 للميلاد. تطورت الصين في ظل حكمها في كل المجالات وعلى كل الأصعدة، ففي هذه الفترة التاريخية تم تأسيس طريق الحرير الممتد من الصين حتى الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وهو الطريق التجاري الذي ربط الصين بالعالم.
شهدت البنية التحتية أيضا تطورا كبيرا خاصة في الطرقات والقنوات، مما أدى إلى تقوية الاقتصاد الصيني. أما الفلسفة فقد بلغت مستوى آخر من التطور والإشعاع، إذ انتشرت الكونفوشيوسية والطاوية على مستوى البلاد، ووصلات أفكارها إلى بلدان أخرى قريبة منها، بل أصبحت الكونفوشيوسية الدين الرسمي للبلاد. فيما تم تمديد سور الصين العظيم وبناء أجزاء جديدة منها طبقا لهندسة ومعمارية مذهلة وأساليب بناء متطورة في ذلك التاريخ القديم.
مرحلة المماليك الثلاث في الصين
دخلت الصين مرحلة المماليك بعد انهيار سلالة هان نتيجة توريث الأطفال الصغار للحكم، وهي مرحلة من أبرز مراحل الصين التاريخية. وقد امتدت من 220 م إلى 280م، ووكان أبرز ما ميزها هو الصراعات الدموية بعد انقسام البلاد لثلاث مماليك رئيسية وهي مملكة وي، ومملكة شو، ومملكة وو.
اتسمت مرحلة الممالك الثلاث بالتطور الكبير في المستوى العسكري خاصة في التكتيكات العسكرية، إذ برز في هذه المرحلة مستشارون حربيون كثر كان أشهرهم المفكر والقائد العسكري الصيني تشوجي ليانغ، دون نسيان تساو تساو نفسه الذي كان مخططا عسكريا بارعا، بالإضافة لقادة جيوش مختلفين في الممالك الثلاثة الذين عرفوا بقوتهم ومهارتهم مثل لوبو ووغوان يو وجانغ في.
شهدت الفلسفة والأدب والعلوم أزهى مراحل تطورها خلال مرحلة المماليك الثلاث، إذ اهتم قادة كل مملكة بنشر الفكر الفلسفي، والثقافة والأخلاق والتعاليم التي تدعو لها والكونفوشيوسية، مما ساهم بشكل كبير في تشكيل الهوية المجتمعية الصينية في قادم العصور.
مملكة وي
تأسست مملكة وي في الشمال على يد القائد العسكري تساو تساو، والذي نصب نفسه رئيسا للوزراء، وكان يحكم باسم آخر امبراطور من سلالة هان، والذي كان يحتجزه في مقر الحكم، وقد قام ابن تساو تساو بإزاحته وأعلن نفسه امبراطورا. عمل تساو تساو على بناء جيش قوي للمملكة، وأحاط نفسه بالقادة العسكريين المحنكين، وقاد هو وابنه من بعده حملات عسكرية عدة لتوحيد البلاد، لكنها باءت جميعها بالفشل.
مملكة شو
أسس ليو بي وهو أحد الأحفاد الممتدين من سلالة هان مملكة شو في الجنوب الغربي للصين، وعمل على الاهتمام بالنظام الإداري والاجتماعي والزراعة. تميزت مملكة شو في ظل حكم ليو بي ومستشاره تشو جي ليانغ من بعده، والذي كان يحكم بتفويض ملكي من ابن ليو بي بالاستقرار والنماء، وقد امتدت هذه المملكة حتى شملت مناطق سيتشوان والجنوب الغربي، كما عرف جيشها بالقوة، وانتشرت فيها الفلسفة الصينية بشكل كبير.
مملكة وو
قام القائد العسكري سونغ تشوان بتأسيس مملكة وو في الجنوب الشرقي، وهي مملكة تتتميز بكثرة مواردها الاقتصادية المتنوعة بين الموانئ البحرية والأراضي الخصبة. اعتمدت مملكة وو على القوات البحرية كأساس لجيشها مع فرق برية.
عودة النظام الامبراطوري
سلالة تانغ
عاشت الصين بعد مرحلة المماليك الثلاثة فترة طويلة امتدت قرابة الثلاثة قرون من عدم الاستقرار في ظل عدم وجود مملكة او امبراطورية توحد جميع المناطق. وفي عام 618م نجحت سلالة تانغ في توحيد البلاد، واستمر حكمها حتى عام 705 للميلاد، وخلال هذه المرحلة حكمت وو زيتان وهي الامبراطورة الوحيدة في تاريخ الصين لمدة 15 عاما حتى تم إجبارها على التنازل على العرش.
سلالة سونغ
بعد سقوط سلالة تانغ استمر البلاد في فترة من عدم الاستقرار، حتى نجحت سلالة سونغ في السيطرة على السلطة عام 960 للميلاد، واستمر حكمهم حتى عام 1279م، إذا سقطت الإمبراطورية في يد المغول. شهدت الصين استقرارا وازدهارا خلال مرحلة حكم سلالة سونغ، فقد كانوا هم أول من أصدر نقودا ورقية للتعامل المالي.
سلالة يوان
غزا المغول بقيادة قوبلاي خان حفيد جينكيز خان الصين في عام 1279 للميلاد، فأسقطوا سلالة سونغ وأسسوا سلالة يوان، والتي امتدت حكمها حتى عام 1368م. تميزت هذه المرحلة بالاستقرار الداخلي وبسطت السيطرة على جميع مناطق البلاد.
سلالة مينغ
قام مينغ تشو يوانغ تشانغ بعزل أخر حكام سلالة يوان عام 1368م، فنصب نفسه امبراطورا لسلالة مينغ، وهي واحدة من أعظم السلالات التي مرت بتاريخ الصين. شهدت مرحلة حكم هذه السلالة تطورا في البناء والمعماري، وتم تجديد وتحديث سور الصين العظيم للحفاظ عليه كحصن دفاعي في الشمال.
سلالة تشينغ
أسقط الغزاة من شعب المانشو سلالة مينغ في عام 1644م، وأسسوا اشرة تشينغ التي امتد حكمها حتى عام 1911 م، لتكون بذلك آخر حكم امبراطوري في تاريخ الصين. شهدت الصين خلال هذه المرحلة أكبر اتساع لها من ناحية المساحة، كما عرفت تطورا كبيرا وتحولا في كافة المستويات، بما فيها الثقافة والعلوم والفكر والصناعة والنظام العسكري، مع محافظة أسرة تشينغ على التقليد والعادات الصينية السابقة.
الصين في القرن العشرين
تنازل آخر امبراطور ينتمي لأسرة تشينغ عن الحكم ويدعى بويي لصالح حكومة جمهورية، وذلك بعد الثورة التي اندلعت في شنغهاي عام 1911 بقيادة سون يات سين، والتي تعتبر نقط التحول الكبرى في تاريخ الصين الحديث، ومنذ تلك اللحظة انتهى العصر المبراطوري في الصين، وأصبحت الصين دولة جمهورية.
الحرب الأهلية
دخلت الصين بعد ذلك في مرحلة من الصراعات السياسية والاجتماعية، كان أبرزها الصراع بين الحزب القومي الذي كان يقوده تشين كاي تشيك، والحزب الشيوعي الذي كان تحت قيادة ماو تسي تونغ. تطورت الصراع بين هذين الحزبين وتحول لحرب أهلية ابتدأت أواخر عشرينيات القرن العشرين، وانتهت عام 1949 بانتصار الشيوعيين، فتأسست الجمهورية الصينية الشعبية يوم 1 أكتوبر 1949، ما جعل الصين تصبح دولة اشتراكية يحكمها الحزب الشيوعي.
شهدت الصين في ظل الحكم الشيوعي تطورا اقتصاديا وسياسيا حولها لقوة اشتراكية، من خلال السياسات التي تم انتهاجها وأهمها القفزة الكبرى للأمام، حيث تم الاهتمام بالصناعة والزراعة بشكل كبير، بالإضافة لتدعيم وتقوية الجانب العسكري.
في عام 1978م دخلت الصين بعد وفاة ماو تسي تونغ مرحلة جديدة من الانفتاح والإصلاح الاقتصادي، إذ تخلت على بعض المبادئ الاشتراكية، وانفتحت على الأسواق العالمية، كما شجعت الاستثمار الأجنبي في الصين، مما جعلها تتحول لقوة اقتصادية كبرى في العالم، خاصة في مجال التصنيع والتكنولوجيا. دون نسيان الإشارة إلى التطور المهول في البناء والهندسة المعمارية خلال القرن العشرين والواحد والعشرين، بعد إدخال التقنيات الحديثة على المجال.
إن تاريخ الصين هو سيرورة تاريخية من التطور والتحولات الحضارية الكبرى، حيث ساهمت مختلف السلالات التي حكمت الصين في تشكيل هويتها الثقافية والاجتماعية، دون إهمال الدور الكبير التي لعبته الصراعات الداخلية في مختلف المراحل في تطوير وتطور البلاد على كل الأصعدة.